تعرضت مؤخراً الصحافة الرياضية الى هزة كارثية أودت بها الى الدخول في عين العاصفة، وذلك على أثر القرار الخطير الذي أصدره المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية وتم بموجبه تعليق (6) صحف هي حبيب البلد - الزعيم - عالم النجوم - السوبر - المريخ - الصدى.. والى جانب ذلك ايقاف (27) صحفياً رياضياً توطئة لتقديمهم للمحاكمة للنظر في تجميد عضويتهم الصحفية، وجاءت حيثيات القرار مبينة إتهام الصحف (المعلقة) بأن محرريها درجوا على نشر كتابات وصفها المجلس بأنها تهدد استقرار المجتمع، بنشر الإساءات والشتائم الشخصية، وإثارة الكراهية.. وفي تصريح لسعادة السفير العبيد أحمد مروح الأمين العام للمجلس جاء فيه (إن الصحف المعلقة قد خالفت القواعد المهنية، بالإضافة الى بعض المخالفات الإدارية. هذه خلفية سريعة لذلك القرار الخطير، وسبب الخطورة لايمكن في اجرائية التعليق والمسببات، وإنما يكمن في إيقاف (27) بيتاً سودانياً عن الحياة، ولا أعني هنا بإيقاف الحياة إزهاق الأرواح، وإنما أعني استلهام المقولة الشهيرة (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق) وكان الأحرى بالمجلس إدارة الأزمة خارج إطار تعليق تلك الصحف، بل كان على المجلس أن يتعامل فقط مع الصحفيين المتفلتين بايقافهم، بل وقطع أرزاقهم إذا ثبتت تهمة إثارة الكراهية وتهديد استقرار المجتمع، وتحضرني في هذا السياق مذبحة الصحفيين المصريين الكبرى، التي جرت احداثياتها في الثلث الأخير من القرن الماضي، وما كانت المذبحة للصحفيين الرياضيين، وإنما كانت للصحفيين السياسيين، وخاصة اليساريين منهم، والجميل في تلك المذبحة إن كان في المذابح جمال إن المذبحة لم تقطع الأرزاق ولا الأعناق، وإنما اكتفت بنقل نجوم الصحافة المصرية المعنيين من عملهم بالصحف الى مواقع ديوانية، لا تمت الى العمل الصحفي بصلة، واعتقد أن هذه العقوبة قد تهون على اي صاحب وظيفة ديوانية، إلا الصحفي الذي يجد حياته وأشواقه في العمل الصحفي، ودون ذلك يصبح الأمر محاولة للتنفس تحت الماء، وهذا مستحيل والأكثر استحالة أن تتوقف لديهم دقات العقل، ويتخثر زيت القلب، ويضيع النبض في صدر القطيع، ومفردة القطيع هذه قد عنيتها تماماً إذ إن المرء هنا يتحول الى مجرد رقم ضمن قطيع البهائم والمخلوقات غير العاقلة. أخلص وبكل الصدق إلى القول بأنني اقف على الحياد بين المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية كطرف أول في الأزمة والمتضررين والاتحاد العام للصحفيين السودانيين كطرف ثان، والأخير كان قد أعلن رفضه التام لتعليق الصحف (المعلقة)، وقد تعهد الاتحاد بمناهضة قرار مجلس الصحافة، وذكر الدكتور محي الدين تيتاوي رئيس الاتحاد في معرض حديثه عن الأزمة إن قرار مجلس الصحافة ليس الحل المثالي لانهاء الأزمة، وفي نفس الوقت اعترف الدكتور تيتاوي ببعض التفلتات التي صدرت من الصحف الست المعنية، وشدد على أن الاتحاد يرفض نهج تلك الصحف بتأثيراتها السالبة على السلم الاجتماعي، كما أن الاتحاد قد أدان تلك الممارسات، لكنه أبقى على رأيه بأن قرار مجلس الصحافة لم يكن بالحل المثالي لإنهاء الأزمة. بما أنني ذكرت آنفاً وقوفي على الحياد،، فأقول إن مجلس الصحافة له قانونه ولوائحه التي يعمل بها، ولذلك فإن المجلس لم يصدر قراره بصفة عشوائية أو بطريقة مزاجية، وإنما جاء قراره وفق الصلاحيات الممنوحة للمجلس، وجاء القرار بتعليق تلك الصحف، وليس توقيفها- كما أشيع ونشر في بعض الصحف- وكان المجلس قبل اصدار القرار قد دعا الناشرين ورؤساء تحرير تلك الصحف الى توفيق أوضاعهم الإدارية داخل صحفهم، والكف عن نشر الكتابات المسيئة والملاسنات التحريريةالبذيئة، فضلاً عن أنه بات في حكم المؤكد، أن بعض الصحف (المعلقة) أو جميعها تعاني من التردي المالي الذي يؤدي في كثير من الأحيان الى عدم صرف مرتبات المحررين، وإن صرفت فإنها تأتي متأخرة، والى جانب ذلك فقد كشف مجلس الصحافة إن تلك الصحف ليس لها مجالس إدارات محددة أو مقننة، وذلك على الرغم من أنها تصدر عبر شركات لها شخصياتها الإعتبارية، ومن ثم وحسب قانون الشركات فإنه ينبغي على تلك المؤسسات الصحفية (المعلقة) التقيد بضوابط وقواعد ولوائح قانون الشركات، وليس بمقدورها القفز على هذا القانون. رغم هذا وذاك فإنه قد وجه اتهاماً لمجلس الصحافة بأنه وطوال الفترة الماضية الممتدة لسنوات لم يهتم بالممارسات المذكورة آنفاً التي اقترفتها تلك الصحف (المعلقة) حتى تراكمت وتفاقمت تلك الممارسات، وفي هذا السياق ذكر البروفيسور على شمو رئيس مجلس الصحافة- وكما هو معلوم أن البروف شخصية فذة وقامة إعلامية وعلمية شاهقة تعدت المنطقة العربية الى العالمية- ذكر سيادته: إن المجلس لم يتقاعس مطلقاً إزاء تلك التفلتات التي ظلت تقترفها الصحف المعنية وقال: إن المجلس تقدم للجهات العدلية قبل خمس سنوات بمذكرة طلب فيها سحب تراخيص تلك الصحف، وليس التعليق أو الإيقاف فحسب.. غير أن قاضي محكمة الموضوع طلب مقابلة قيادات تلك الصحف وتناقش معها حول تلك التفلتات التي يمكن أن تودي الى سحب تراخيص صحفهم، إلا أن قيادات تلك الصحف قد أقرت بتفلتاتها ومن ثم رأى قاضي محكمة الموضوع أن يصدر حكماً رضائياً للطرفين، وهو أن يلغي المجلس مذكرته وإلا تعود تلك الصحف الى ممارساتها المتفلتة غير أن الصحف المعنية وللأسف الشديد، وبعد فترة وجيزة عادت الى ممارساتها السابقة،، وبمعنى أدق أن تلك الصحف عادت كعودة (حليمة الى عادتها القديمة)، بل وحتى (حليمة) نفسها لم تسلم من أن يلحقها طرف السوط، ومن ثم تعرضت الى إشانة السمعة. (ده كلو كوم) وكوم لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان كان له شأن آخر، إذ إن اللجنة البرلمانية الموقرة قد طالبت مجلس الصحافة بأن يوافيها بحثيات قرار (تعليق) الصحف المعنية.. وأوضحت اللجنة البرلمانية أنها وبعد تسلمها الحيثيات ستدرسها بغرض التأكد من إن كان مجلس الصحافة قد استخدم القانون بصورة صحيحة أو أنه تجاوز صلاحيته، وهذا بالطبع أمر غريب وعجيب، لأن رئيس المجلس البروفيسور على شمو وبقامته العلمية الشاهقة، وسعادة السفير العبيد أحمد مروح أمين عام المجلس، أجزم بانهما لا ينطقا عن الهوى، وإنما يكونا قد إتخذا قرار (التعليق) بطريقة صحيحة، ووفق قانون مجلس الصحافة، وعلى الأستاذ فتحي شيلا رئيس اللجنة البرلمانية أن يخرج هذا الشك من غرفات قلبه الأربع، بل وعليه فتح نوافذ غرفات قلبه لاستقبال نسائم الهواء النظيف وليس الهواء السائل المعبأ في اسطوانات الشك المعيب.