سئل العلامة الراحل عبد الله الطيب عن سبب حرصه على حضور كل الأعياد بقريتهم التميراب القريبة من الدامر فكان رده: (العيد أهل) وليته علم وهو في علته التي داهمته وطالت أن الحال في السودان قد تبدل والأهل تفرقوا في المهاجر البعيدة فما من أسرة إلا وجل أهلها في المهاجر وهي مهاجر ترهق متون الطائرات وتهد صبر البواخر والسفن في شاكلة كندا وكويبك ونيوزيلاندا واستراليا وغيرها من البلاد البعيدة وأذكر وأنا قبل أعوام خلت أبحث عن أنيس في مطار المنامة لتقصير مدة الثمان ساعات التي توجب قضاؤها في المطار في انتظار الطائرة المتجهة للندن أذكر أني التقيت بمجموعة من الشباب السوداني اليافع وهم ينتظرون طائرتهم الى استراليا وكنت وقتها لا أعلم حجم عدد السودانيين في المنافي البعيدة فسألت أحدهم أين في استراليا؟ رد علي: مدينة كوينز سيتي فسألت وهل معكم عدد من السودانيين هناك؟ أجاب ضاحكاً ستات الكسرة في سوق كوينز تسعين عندهم صف براهم فتأمل بالله عليك ولكن هل بعد الذهاب للعيش في إسرائيل من عجب. أكتب مقالي هذا والعيد يدركني هذا العام وأنا خارج السودان وإن عز علينا نحن غالبية سكان الخرطوم الخروج منها الى الأقاليم حيث أقاربنا ورهطنا فلا كثير أسى.. ألم يقل الشاعر (كل أجزائه لنا وطن) أليس كل أجزاء بلادنا لنا أهل وأحباب ولكن كثير الأسى في قضاء العيد خارج البلاد ولهفي على الذين أجبرتهم ظروفهم على الهجرة أقول هذا وأعلم تماما أن لكل من هاجر أسبابه ودوافعه وإن أرض الله واسعة غير أني وقد شرقت عن الوطن وغربت كثيرًا قد أيقنت أن لابلاد لنا إلا بلادنا وقد خلد الشاعر العظيم المتنبئ هذه المعاني وقد خرج حزيناً من مصر صوب أهله وأحبته في العراق فحل عليه العيد وهو يجد السير إليهم بأبياته الباذخة: عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيد دونها بيد ويبدو أن خروج الناس من العواصم الى أهلهم بالأرياف في الأعياد لا يقتصر على السودان دون سواه فقد لاحظت ذلك في مدينتين أوربيتين أمضيت فيهما عيد الكريسماس هما لندن وبرلين فالشوارع تغدو فيهما أقل حركة واكتظاظ السكان يقل والهدوء يسود. وتتباين احتفالات أهل السودان بالأعياد بتباين مناطقهم وبيئاتهم فسكان الحضر يزحمون في الأعياد الحدائق العامة حيث الموسيقى والغناء وباعة المثلجات ومراجيح الأطفال ويرتدون الأزياء الجديدة وفي الأرياف يختلف الحال ففي بوادي الرحل تنشط خلال الأعياد سباقات الهجن والخيول وقد رصدت إبان فترتي محافظاً في ديار دار حامد والمجانين في منتصف التسعينيات جوائز مادية كبيرة للفائزين في السباقات وحين نقلت الى جبال النوبة الشرقية الفيت أهل الجبال يحتفلون في العيد بإقامة مباريات الصراع وحول ساحاتها يحتشد الرجال والنسوة بالثياب صارخة الألوان ويشجعن المتنافسين بالزغاريد والأهازيج ويغطي المتنافسون أجسادهم بالألوان الزاهية المصنوعة من التراب والصخور الملونة المدروشة وقد حدثني التشكيلي العالمي راشد دياب أن نوبة الجبال السودانيين هم أول من صنع الألوان الطبيعية في العالم وأهلنا في ريف السودان يحتفلون فقط بعيدي الفطر والأضحى ولم تصلهم بعد رياح أعياد الكريسماس ورأس السنة وشم النسيم وخلافها مما يحتفي به أهل الحضر حيث يقطن المسيحيون كما لم تصلهم رياح الاحتفال بعيد ميلاد أبنائهم هذا نهج جديد دخل بلادنا مؤخراً ولم يقف على الأطفال وحدهم بل نطالع من عام لعام احتفال أسرة بعيد ميلاد والدها (أسرة الإمام الصادق المهدي تحتفل بعيد ميلاده) لم أجد وأنا أتابع مسيرة الشعر والغناء السوداني وأنا بها عليم كثير ذكر للأعياد وقد تجد في دواوين شعرائنا الكبار بعض ذكر لأعياد الاستقلال والجلاء والتعليم والمولد وقل أن تجد قصيدة كتبت في عيدي الفطر والأضحى وشعراء الحقيبة انشغلوا تماماً بالتباري في أوصاف المحبوبة وفيهم بالطبع من خرج من هذا التباري الى وصف الطبيعة وقد أجادوا وأبدعوا أيما إبداع وعلى رأس هؤلاء محمد بشير عتيق وعبد الرحمن الريح ومصطفى بطران.. تب عتيق (في رونق الصبح البديع) وعبد الرحمن الريح (الطاؤوس) وبطران (أطرد الأحلام) ولا أظن أن هناك من الشعراء السابقين أو اللاحقين من يجاري هذه القصائد فهي الذرى في وصف الطبيعة اللهم إلا ..... الذي كتب (في الشاطئ طاب لينا السمر) ومن سيرة العيد في بعض أغانينا (العيد بشوفو على ظلام تعال بنورك نورو رسل خطاب يحكي الغرام وبأريج خضابك عطرو) كلمات الراحل الجيلي محمد صالح وغناء صلاح مصطفى ثم رائعة ود القرشي (عدت يا عيدي بدون زهور وين قمرنا وين البدور) غناء الشفيع وأغنية الحلنقي (العيد الجاب النّاس لينا ما جابك) غناء أبو الأمين وهنا قصيدة أبو العلا (لاحت بشائر العيد) غناء أحمد المصطفى ويغني معتز صباحي (حتى العيد لو مر بدونك زي حسيتو بلاك ما عيد) وكل عام وأنتم بخير.