بعد عودتي من أحد الأسفار دخلت لأزور الحاجة عرفة وهي تقرب لي من جهة الأم، فقالت: الحقني يا شيخنا دخل بيتي جني معارض لنا في أي شيء نشال محترف، أظنه تدرب مع نشالين سوق ليبيا بل تفوق عليهم وكان أول الدفعة، لم يترك أي مبلغ في المنزل أينما خبأته في كيس المخدة أو في طرف ثوبي أو في صندوق أوعلبة لبن، أي مبلغ يتبخر حالاً كما تتبخر الفقاعة في الهواء.. قلت: كيف عرفتي أنه جنى، قالت: نحن وحدنا أنا وزوجي وهو يعود للبيت ليلاً وهو شبه نائم من تعب الشغل وولدي عمره اثني عشر سنة وهو مشغول من واجب لواجب، قلت: ما بلغتي الشرطة، قالت: أقول يا حكومة هنا جني معارض معقول؟! ذهبت للشيوخ فقالوا إنه جني معارض لأهل الدار.. ويسرقكم خاصة الأموال. قلت: بماذا أشاروا لكي، قالت: عرضوا لنا كل مهاراتهم فمنهم من قال نحرقه ومنهم من قال نسجنه في سواكن ومنهم من قال أرسله إلى دورا بورا ومنهم من قال أرسله إلى مثلث برمودا حيث مملكة الجن التي تبتلع السفن والطائرات ابتلاعاً، قالت: قل لي يا شيخنا ما هو المخرج؟ قلت اقرئي سورة البقرة بالمنزل ورددي آية الكرسي ثم بعد ذلك نطلب من الله عز وجل أن يبيَّن لنا المخرج لهذه المحنة التي ألمت بكم.. فكرت أعالج الموضوع بمنتهى الحكمة، فقلت لي بعض الشروط أرجو منكم الالتزام بها دون أي نقاش، قال: إن شاء الله هات ما عندك، قلت: واحد: من اليوم ضعي كل ما لديك من مال خارج المنزل مع جارتك فعملت بما أشرت به. اثنين: قولي كثيراً الحمد الله ذهب الجني ولم يعد يسرقنا فثبتت وزادت أموالنا. ثلاثة: والأهم قولي لابنك ساعطيك أي مبلغ معقول تطلبه مني وذلك كرامة لتوقف الجني من سرقتنا واستمري على ذلك مدة من الزمن، ثم بعد ذلك قولي لابنك لا أعطيك أي مال إلا إذا كان لديك سبب مقنع جداً، قالت ما علاقة ذلك بابني، قلت إن الجن عالم غريب ولا تسأليني مادام توقفت السرقة، وفعلاً توقفت السرقة تماماً وصار ابنها أحمد لا يطلب أي مال إلا إذا كان لديه سبب ضروري وملح لذلك، وهكذا صار دائماً لا يبذر المال ولا يصرفه إلا في ضرورة وهو اليوم محاسب في كبرى الشركات وكان الأمر كله شيطنة صغار.. وقد تفهم والده الأمر ودائماً يقول لي على حدة انقذت الجني المسكين أو انقذت الولد؟ الحمد لله على هذا المخرج والحمد لله أن الموقف قد تعالج بالحكمة دون الإضرار بالولد ولم تتشوه صورته أمام الأسرة. (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) «سورة الطلاق الآية «2»».