قلت خذي هذا المبلغ المتواضع لعله يعينك قالت: قصدتك لأكبر من هذا أن تدعو لي الله بإخلاص، وأن تنصحني بمخرج من ورطتي هذه قلت: لا بأس فقط خذي المبلغ لعله يكون لكي خيراً وبركة.. ألم تسمعي بشخينا الشيخ عبد الباقي المكاشفي نفعنا الله به وببركة أولاده وأحفاده. إنه حجج بقرش.. أعان أحد المريدين في ذهابه للحج وأعطاه ما كان موجوداً وهو قرش، وتيسرت من الله كل أمور الحل والترحال، ببركة الشيخ وبركة الهدية، فحج ورجع محملاً بالهدايا، وكلما يريد أن يأكل أو يشرب أو يشتري تذاكر يقال له خلي عنك، أو تكرم أولاً، والله حتى رجع، وتلك من كرامات المكاشفي الشهيرة. قبلت الهدية، وقالت قصتي أنا طالبة بأولى طب، وأني من أسرة فقيرة جداً، والحمدلله وكلي وكلهم أمل أن أحسن ظروفهم مستقبلاً، ورغم إعانات الدولة جزاها الله خيراً، إلا أن مستلزمات الدراسة والداخلية والأكل والشرب وبعض الملابس المتواضعة جداً، أجد نفسي اليوم واليومين على سندوتش طعمية، ولا أكشف سري لأحد من الزملاء، غير أن الهم من الصعوبة إخفاؤه.. دائماً ما تقول زميلاتي عني أني جادة أكثر من اللازم. قلت ألم تحاولي أن تشتغلي في عيادة خاصة، أو أي نوع من أنواع الشغل، فالشغل أبداً لم يكن عيباً، وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان أجيراً، وكثير من مشاهير الساسة كانوا يغسلون الصحون بنيويورك وباريس وغيرها، عندما كانوا طلاباً. ويقول أهلنا بالسودان العزيز (أرجا سفيها ولا ترجا عاطل). قالت حاولت كثيراً ولم أجد باباً إلا طرقته ولم أتوفق، أدعو الله لي عز وجل، وساعدني في أن أجد مخرجاً لموقفي وظروفي الصعبة، وأني رغم ذلك أشد تمسكاً بديني، علماً بأن البنت في مثل هذه الظروف تتعرض لضغوط كثيرة، وربما رضخت للاستغلال، إذا كانت ساذجة وبينها وبين أهلها حجب من عدم الصراحة والوضوح. وقلت كثيراً ما نصحت أصحابي في مثل هذه الحالة بالرجوع إلى الله والاستغفار والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقراءة سورة الواقعة أربعة عشر مرة صباحاً ومساءاً، ومعها دعاء مخصوص لمثل هذه المواقف وهو من ذخائر أهل البيت عليهم وعلى سيدنا محمد أفضل الصلاة وأزكى السلام. وأفترقنا على أن تجعلني أباً لها، تلجأ إليّ في أي وقت، وهكذا أتاها فرج ربي سريعاً، فقد قصدني صديق لي يخبرني بأن أمه كبيرة بالبيت وتريد رعاية خاصة، وهو وأخته في حالة شغل دائم، وطول الوقت خارج المنزل، وقد عجزوا من معاملة الأجنبيات وعدم مراعاتهم لشعور الكبار والتعامل الجاف معهم، أو أن تجد لي من معارفنا من تراعي الوالدة فقط، وأن تقوم بواجبها من أدوية وأكل وشرب ونظافة الخ.. هكذا وافقوا ووافقت الطالبة، ووفقت ما بين الحاجة وما بين دراستها، وتطورت العلاقة كما هو معروف لدى هذا الشعب السوداني، الذي هو يسود العالم كرماً وفهماً وأخلاقاً وترابطاً، وصارت الطالبة تنادي (بنت الحاجة) والحمدلله تخرجت وهي الآن طبيبة سودانية مشرفة لبنات السودان، يقبل عليها أهلنا الطيبون لتحل مشاكلهم بالحوادث، ويقول مرضاها إنهم لا يرتاحوا نفسياً إلا معها. هل تتعظ بناتي الطالبات الفقيرات بهذا الموقف؟ ويحلن مشاكلهن بأنفسهن وتخفيف العبء على الدولة!!. قال تعالى:(من يتق الله يجعل له مخرجاً) سورة الطلاق الآية (2)