رجل القانون: إن أستاذنا بركات موسى الحواتي، أستاذ مميز في القانون، عميد لكلية القانون، مناقش لرسائل الدكتوراة في القانون، وقد حضرت له مناقشة رسالة دكتوراة في القانون، كان يجول فيها ويصول بأسلوبه المهذب، وبمداعباته اللطيفة، وفهمه القانوني العميق، ولكنني رأيت وراء هذا القانوني شغف كبير بالتاريخ، وهو لا يخفي هذا، أنه من هواة التاريخ، ومن الذين نادوا بإعادة كتابة التاريخ، واعترض عليه البعض كيف يكتب تاريخاً قد كتب، أو كيف تكون إعادة التاريخ، ولكنني متعاطف جداً مع هذا الرجل العظيم، وفي اعتقادي أن التاريخ في سوداننا العظيم حتى الآن لم يكتب، أنه تاريخ شفاهي، وإن لم يسجل هذا التاريخ من أبناء هذا الجيل فإنه سوف يضيع في زحمة الحياة، وفي حفرها السحيقة، القادرة على ابتلاع الإنسان نفسه، وليس تاريخه فقط. إن المؤرخ المدقق الواعي الذي في أعماق الحواتي، قادر على أن يقدم الكثير لتاريخ السودان، والتاريخ عند الحواتي أمر محبب، وقصص هادفة، أذكر أنني في بيت أبنائه حضرت حواراً هادئاً أخذ من الوقت ثلاث ساعات تقريباً، ونحن فرحون متهللون سعداء بتاريخنا، وكان الحوار وقتئذ يدور حول تاريخ المسيحية في السودان، ولم يكن هذا مجاملة لي، إنما كان إحقاقاً وتحقيقاً لألف عام عاشها السودان مسيحياً، فاهماً، دارساً، لاهوتياً، بارعاً، ناسكاً، متقشفاً، سائحاً، روحانياً، فلقد حوى تاريخنا ملوكاً أبراراً قديسين، تركوا عرش الملك وارتدوا مسوح الرهبان، وشعباً طيب المعشر، هو شعب العفو والعافية يطلب الغفران من أخيه عندما يخطئ اليه، ويسجد له فيما يسمى بالمكانية سجود اكرام، وليس سجود عبادة، وعندما تدار مثل هذه الندوات في بيوتنا، سوف نحيي أمجادنا.. هذا البيت الذي كان مسرحاً للحوار هو بيت الزعيم المرموق القوي الشخصية العملاق المبادئ عبد الله خليل، الذي هو جزء من تاريخ بلادنا، وفي كل مرة يضيف الحواتي الى معرفتنا بتاريخنا شيئاً جديداً، وذات مرة قرأ عن استعمال بعض قبائل السودان لكلمة مسيا وسيا هو السيد المسيح، فأسرع بلطفه وبصوته ذي النبرة التاريخية يخبرني، ثم يحضر الجريدة الي، لكي أتابع ما اكتشفه باطلاعه المستمر الواعي. الى المسالمة: لقد أسعدني جداً مقال الحواتي بعنوان: الحيشان والشخصيات النمطية، وبعض أوجاع الفرح اللذيذ في جريدة الصحافة 24/4/2010، ورغم أن أحاديث الصحف كانت مهتمة فقط بالانتخابات كعبور نحو الديمقراطية، ولكنه كتب عن الحيشان، والتي كانت مهداً للديمقراطية، وكانت صالونات أدبية وثقافية، وهي نموذج من الفرح اللذيذ، وأوجاع الفرح اللذيذ هي عدم التوثيق له، ولقد حدد هو كعالم أكاديمي سنوات البحث في 1898 -1960 كما حدد أيضاً مكان البحث متخذاً من حي أبوروف موقعاً لدراسته. وكتب عن الحيشان وأتى بالأسماء، وجاء ببعض القصائد في مهرجانات الدندنة الملتاعة، وحديث الكوكب النضاح في نور الصباح، عندما لا تحتاج الى مصباح، وذكر بعض الأعراس وأغاني الأعراس لجهابذة المطربين السودانيين الرائعين، والدمعات الثخينات أحمد المصطفى-سيد خليفة-أحمد محمد الشيخ.. وأطالب الحواتي أن يتجه نحو المسالمة، ويكتب عن غزال المسالمة، وعن تأسيس نادي المريخ في بيت عبد السيد فرح القبطي، وعن حيشان الأقباط، حوش السويسي، حيث الكنيسة الأثرية القديمة قابعة هناك، ويزور قبر القمص فلتادوس قلادة، الذي أسس حي المسالمة، وسكن فيه، واشترى أرضاً بنيت عليها كنيسة المسالمة، وسوف يجد حيشان نخلة، ويني وعبد المسيح، وأرجو أن يكون هذا سريعاً قبل أن يختفي كبارنا ويضيع تاريخنا. احترامي للحواتي كبير، وانتظاري لزيارته وكتابته عن حي المسالمة أكبر، وسوف يجد من يعينه من أساتذة بارعين، يعتزون بالمسالمة، مثل القانوني ادوارد رياض، والعالم المبدع وليم زكريا وآخرين.