فشلت القمة الرباعية لرؤساء السودان وكينيا وجنوب السودان وأثيوبيا أمس الأول في أديس أبابا في حل قضية النفط بين الخرطوموجوبا، وترتب على ذلك انهيار المفاوضات بين البلدين التي بدأت منذ مطلع الاسبوع الماضي، وبعد مداولات ساخنة بدأت بالجلسة الأولى التي تم الاتفاق فيها على أن يأخذ السودان حصته العينية في شهر فبراير القادم على أن تبدأ المفاوضات بين السودان وجنوب السودان خلال شهر، وخلال الجلسة الثانية طرحت الورقة التي اتفق عليها الجانبان، وقرأ رئيس وزراء أثيوبيا نص الاتفاق تمهيداً للتوقيع عليه ولكن رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير رفض التوقيع عليه، وقال أنه ناقش الاتفاق مع اعضاء وفده وأنهم «يرفضونه»، وزاد «لن أوقع عليه» مما أدى لانهيار القمة، فيما قال باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية رئيس وفد دولة الجنوب في مؤتمر صحفى عقده أمس أن سلفا كير تراجع عن مواصلة المفاوضات بناءً على موقف موحد وواضح شاركه فيه جميع أعضاء حكومته، وأضاف أموم اشترط ارجاع البترول المسروق على حد زعمه واطلاق السفن المحتجزة لاستئناف المفاوضات، ويرى البعض أن موقف حكومة الجنوب الرافض للتوقيع على الاتفاق الذي طرحته القمة قد يدفع منطقة شرق إفريقيا نحو أزمة جديدة، خاصة وأن محاولاتها لبناء خط ناقل جديد عبر «لامو» بالأراضي الكينية، يشجع عصابات ومجموعات مسلحة في المنطقة على تنظيم أنفسها ومن ثم تقوم بسرقة النفط، لا سيما وأن الجنوب مازال يعاني من حالات الانفلات الأمني وأن الجيش يخضع لقيادة جنرالات وتقوم هيكلته على أساس قبلي يصعب التحكم فيه، مشيراً أن هذه المجموعات المسلحة قد تجبر شركات النفط العاملة في الجنوب أن تدفع لها حصتها كاملة قبل أن تدفع للحكومة، إلاَّ وستقوم هذه المجموعات بأخذ حقها من الخط الناقل الجديد عنوة على غرار ما يحدث في نيجيريا، فهذا الخط سيواجه صعوبات لوجتسية وأخرى أمنية، قد تجعل فائدة الجنوب من نفطه شبه معدومة، فيما يرى الطرف الآخر أن الشركات الأمريكية الاسرائيلية التي قامت بدفع مستحقات نفط الجنوب لمدة خمسة أعوام تدرك صعوبة الأمر، وتدرك جيداً لا خيار أمثل من خط السودان الناقل، لذا ارادت أن تحتفظ بحصتها من نفط الجنوب في باطن الارض، لحين احداث تغيير في موقف الخرطوم، علماً أن الخرطوم التي قرأت المشهد العالمي وما يعانيه من ركود اقتصادي، قد تكون دفعت الجنوب نحو خطوة اغلاق نفطه، مما دفع بالشركات الأمريكية الاسرائيلية أن تنظر للأمر وكأنه حرب استنزاف اقتصادي مورس إتجاهها، في وقتٍ تبنت فيه الادارة الامريكية سياسات تقشف دفعت الرئيس الأمريكي اوباما إلى تبني خطة لخفض الانفاق العسكري، فيما يرى أصحاب هذا الاتجاه، أن الادارة الأمريكية قد اتجهت إلى سوق السلاح كبديل متاح كتحريك الركود الاقتصادي، وبالتالي توجه نحو المنطقة الافريقية التي تشهد اضطرابات أمنية في عدة مناطق، لذا لا يستبعد اصحاب هذا الاتجاه أن تأخذ الادارة الامريكية ما دفعته لدولة جنوب السودان مقابل السلاح، هذا الرأي يدعمه وصول قادة عسكريين من أمريكا واسرائيل إلى جنوب السودان تحت مظلة تأهيل الجيش الشعبي وتقييم احتياجاته، لكن من الملاحظ أن هؤلاء العسكريين يعملون على ترويج دعاية الحرب القادمة وسط الجنوبيين، وأن الشمال لا يمكن أن يترك الجنوب لذا من الضروري أن يسرع الجنوب في بناء قدراته العسكرية، ويعمل هؤلاء كمناديب مبيعات لشركات السلاح الامريكية الاسرائيلية، والتي خططت منذ فترة طويلة للنهب والاحتيال على الشعوب الافريقية وسرقة ثروات جنوب السودان، الذي في نظر هذه الشركات يمتلك احتياطياً نفطياً وزراعياً يعتبر الأهم لأمريكا واسرائيل في منطقة شرق أفريقيا، مشيراً أن عملية الاحتيال على جنوب السودان لن تتم إلا من خلال دفعه نحو سباق تسلح، بيد أن هذه الشركات تريد ذات الاسطوانة الدعائية التي استخدمتها أبان فترة الاستفتاء وهذه دعاية ساهمت بصورة كبيرة في انفصال الجنوب متمثلة في حشد العديد من المشاهير والدفع بهم نحو الجنوب، وفي تصويرهم الوضع فيه بالكارثي تحت دعاوي الحرب المروعة، فوصل إلى «جوبا» الممثل العالمي جورج كلوني، الذي طالب الشعب الامريكي وشعوب العالم بمتابعة التطورات في جنوب السودان، وأضاف كلوني بلهجة عاطفية «إذا عرفت أن تسونامي قادم، فماذا تفعل لانقاذ الناس» وأردف «توجد مخاوف حقيقية من أن الحرب قادمة هنا»، وأيضاً وصل إلى جوبا في اطار دعاية الحرب المروعة المخرج السينمائي ستيفن سبيلبرغ والممثل دون شيدل بطل فيلم «فندق رواندا» عن الحرب الأهلية الرواندية. ولكن العالم شهد استفتاء بدون حرب، وشارك الرئيس البشير في احتفالات إعلان استقلال جنوب السودان، ولكن حققت هذه الدعاية لشركات النفط الامريكية الاسرائيلية أنها أجبرت القادة الجنوبيين على استلام اموال تمويل الاستفتاء وتوقيعهم على تعهدات تعطي لهذه الشركات حق كامل التصرف في نفط الجنوب مقابل تحقيق الانفصال وحماية الدولة الوليدة دبلوماسياً وعسكرياً من خلال توفير السلاح، ويصف البعض هذه العملية باللا اخلاقية، متسائلين هل جنوب السودان محتاج لسلاح أم لبنيات تحتية.؟! الأمر الذي دفع مسؤول كبير بحكومة الجنوب فضل حجب إسمه أن يعلق على الأمر قائلاً: لا اعتقد أن الشمال لديه نوايا حرب تجاه الجنوب، ولكن ما يجري الان من شراء نفط الجنوب في الآبار أخشى أن تكون وراءه صفقات السلاح، وإن حدث هذا سيكون كارثياً على شعب جنوب السودان، ثم اردف المسؤول الجنوبي قائلاً: السودان من حقه الطبيعي أن يطالب بحقوق شعبه ومستحقاته على دولة الجنوب والتي تتمثل في نقل النفط، فهو ساهم في استخراجه في وقت كانت كل شركات الدول الكبرى رفضت استخراجه تحت دعاوي الاوضاع الأمنية عقب 1983، ولكن في تسعينيات القرن الماضي استخرجت الحكومة السودانية التي طرقت ابواب الادارة الامريكية ولكنها لم تتحرك، مشيراً إلى الجهود الكبيرة التي قام بها محرر البترول السوداني محمد جار النبي في أمريكا، وقال أن الرجل سجل شركة كرنكورب البترولية في أمريكا وعبرها ظل يطير بين ولايات أمريكا لأكثر من ستة أشهر إلى أن افلح في الحصول على مصفاة شحن عبر نيجيريا ومنها إلى السودان، وبين المسؤول الجنوبي أن السودان بمقدوره أن يتخذ مواقفاً أكثر حسماً تجاه الجنوب ولكنه لا يرغب في ذلك وهذا ما يؤكد عدم رغبته في الحرب، الأمر الذي يهزم دعاية سماسرة السلاح في قولهم أن الحرب قادمة، وأشار أن هؤلاء السماسرة «الشركات الامريكية الاسرائيلية» هم الذين قاموا بتسليم الأموال لباقان أموم في أمريكا بحجة دعمهم لعملية الاستفتاء، لكن أشعلت هذه الاموال خلافات عنيفة داخل الحركة الشعبية وحكومة الجنوب خاصة بين باقان أموم ود. لوال دينق وزير النفط في حكومة الشراكة عقب الانفصال، عندما إتهم باقان لوال بسماحه للشمال بسرقة النفط، وكان لوال قد طالب الجنوب بعدم الذهاب لخيار الانفصال، وأن للشمال احتياطات نفطية كبيرة تفوق تلك الموجودة في الجنوب، بيد أن الرجل يريد أن ينبه قادة الجنوب بأن هنالك عملية نهب واحتيال على ثروات الجنوب ترتب لها شركات عالمية من خلال تمويل انفصال الجنوب. فيما يرى البعض الآخر أن للشمال كروتاً عديدة إن أراد اللعب بها في منطقة شرق أفريقيا ودفعها إلى حيث يريد، ويصنفه بأنه اللاعب الوحيد في المنطقة الآن الذي يلعب مع الكبار بعد انهيار نظام القذافي ومبارك، مشيرين أن السودان يلعب بصورة أكثر فاعلية وقوة في أفريقيا، ويمكنه أن يتخذ مواقف أكثر حسماً في ملفات عديدة، وقد يدفع دولاً كبرى إلى حلبة الصراع النفطي في افريقيا وجنوب السودان خاصةً، مستشهدين بطرح السودان إلى «6» مربعات جديدة للاستثمار النفطي أمام الشركات العالمية ودعوة بريطانيا وفرنسا إلى الاستثمار في السودان هي دعوة قد تفهم بانها رسالة للصين الذي تتخذ من السودان مدخلاً لافريقيا، أن تلعب دور أكثر فاعلية في أزمة نفط الجنوب.