بشرتنا وزير التعليم العام الأستاذة سعاد عبد الرازق بالمؤتمر القومي للتعليم المزمع عقده من 19-21 فبراير من هذا الشهر.. والمؤمل أن يحدث تغييرات جذرية للعملية التعليمية في البلاد من تعديل السلم التعليمي والمناهج وصيانة المؤسسات التعليمية وأوضاع المعلمين. الشاهد أن لدينا مثلاً يقول (القلم ما بزيل بلم).. أي أن العلم ليس كافياً حتى يصنع مواطناً رشيداً.. ولعل (البَلم) تعني الغباء بصورة من الصور. والمطلوب من المؤتمر أمر بسيط يتمثل في أن (يزيل القلم البلم).. أول المطلوبات إزالة السيطرة الأيدولوجية الرسمية على النظام التعليمي على نحو ما قال به الدكتور (محمد اركون) في مبحثه عن (بعض مهام المثقف المسلم).. وذلك حين تحدث عن الأسباب الداخلية في أزمتنا الحضارية فقال: القطيعة الحاصلة بين الدولة أو «النظام السياسي» وبين المجتمع المدني.. والسلطات المضخمة للزعيم الواحد والحزب الواحد.. المؤسسات السياسية الشكلية البحتة التى تستبعد كل مساهمة فعلية للمواطنين في إدارة أمور البلاد.. بجانب هيمنة الأيدولوجيات الرسمية على النظام التربوي وبرامج التعليم التي لا تلبي الحاجيات المتنوعة للفئات الاجتماعية.. الثقافية المتمايزة جداً.. التي تشكل المجتمع ككل.. فهل يستطيع المؤتمر أن يرسي أرضية ضد هذه الهيمنة على التعليم؟! لعل واقع التعليم في السودان يوضح الإخفاق في تحقيق المهام الإستراتيجية للتعليم من رفع لنسبة عدم الأمية وتثقيف المواطنين وتنوير العقول وإعداد أجيال قادرة على التصدى لمهام التغيير.. فقد ظل التعليم عندنا يهدف دائماً إلى إمداد الدولة بالكوادر التقنية والإدارية.. وحتى في هذه لم يقم التعليم بدوره فيها.. ودونكم هذه الأعداد الضخمة من الخريجين والتي أثبت مجتمعنا إخفاقه في استيعاب طاقاتهم وتوظيفها في اتجاه تنمية الوطن وتطويره.. أهم ركيزة والعنصر الحاسم من العملية التعليمية هو المعلم- الذي تدنى مستواه حتى أصبحت أغنيات البنات تتندر عليهم متغنية: (المدرسين المفلسين بري منهم).. بعد أن كن يغنين له: (جيب لي معاك عريس من هيئة التدريس).. ولقد عملت بالتدريس والآن ألاحظ دفعتي من المدرسين المجيدين أصبحوا مرضى يعانون الفاقة بسبب أنهم أصروا على العمل بالتدريس والحصول منه على دخل يقيم أودهم.. فاضطروا إلى العمل من السابعة صباحاً وحتى العاشرة مساء من كورس إلى التدريس الخاص فى البيوت.. وحتى بعد إخلاصهم وتفانيهم هذا لمهنة التدريس.. لم يجدوا حتى من يقول لهم شكراً.. بجانب أن مهنة التدريس غزتها أفواج من المعلمين الذين ينقصهم التدريب وحب المهنة والإخلاص لها.. بل إن بعضهم ضعفوا فنياً.. وقلة ضعفت أخلاقياً للإضطلاع بهذه المهنة النبيلة.. ونحلم بأن تعود المدرسة تلك المؤسسة التربوية التي يجد فيها الطالب إشباعاً لميوله وهواياته وإبداعاته في الأكاديميات وفي الرياضة والفنون وخدمة المجتمع!