معلوم أن إصلاح العلمية التعليمية التربوية لا يتم بمنأى عن إصلاح المعلم، وإصلاح المعلم وإعداده، إصلاح للمتعلم- بل تصويب للعملية التربوية برمتها كما يرى ابن باريس. ويؤكد لاسكا (Laska) أن المناهج تكاد تكون واحدة في أغلب المدارس في المجتمع الواحد، والأبنية تتشابه، ولكن المخرجات من هذه المدارس من الخريجين تختلف من مدرسة الى أخرى. وهذا يعود للمعلم ودوره الذي يترك بصماته في هذا المجال. وعلماء الفكر التربوي الاسلامي ومنهم ابن نباتة، يرون في المعلم بأنه ينبغي ان يكون أحسن تعليماً ويعنون بذلك الكفايات الأكاديمية التخصصية للمعلم. كما يجب ان يكون أجود تفهيماً، ويقصدون بذلك كفاياته المهنية التربوية. وقد اجمع التربويون أن معظم المشاكل التربوية ناشئة أساساً عن افتقار المدارس لمعلمين قديرين. ذلك لأن التدريس علم له فنونه وطرائقه وهو يعتمد على المعلم الكفء المؤهل لأن دور المعلم لا يتوقف عند حدود التعليم، بل يمس مجال التربية. والدول التي صعدت قمة مجدها كان التعليم في مقدمة أولوياتها. كما أنها أعلت من شأن المعلم ضماناً للجودة الشاملة لتعليم أبنائها لما للتربية من دور مهم في التغيير الشامل في المجتمع. والمعلمون الأكفاء هم الذين يحبون مهنة التدريس ويرغبون فيها. وهم الذين يستطيعون غرس الحماس في تلاميذهم ويمتلكون كل الكفايات المهنية التي ينبغي ان تتوافر لدى المعلم. ولفائدة القاريء، فإن الكفاية المهنية في مجال التربية يقصد بها «مجموعة من المعارف والمفاهيم والمهارات والاتجاهات التي توجه سلوك التدريس لدى المعلم وتساعده في أداء عمله داخل الفصل وخارجه بمستوى معين من التمكن». وبما أن المعلم هو محور الرحى والمرتكز الأساسي للعملية التعليمية التربوية، فإن صلاح المجتمع معقود بصلاح معلميه لأن المعلم هو المرشد والمخطط والمنسق والموجه والمقوم والباحث، وهو القوي الأمين. ولا شك أن خير العلم ما جاء عن طريق المعلمين، والمعلم لا يمكن الاستغناء عنه البتة. والمعلم احتل مكاناً مرموقاً في التربية الاسلامية اقتداء بالمعلم الأول الذي كان قرآناً يُتلى ولنا فيه أسوة حسنة. وفي صدر الاسلام وضحت مواصفات للمعلم وكفايات يجب ان تتوافر لديه، فهو التقي، النقي، الطاهر، الذكي، الذي يؤدي فروضه ويجيد علومه ويكون قدوة حسنة لتلاميذه. وقديماً استخدم الملوك والأمراء المؤدبين والمعلمين لأبنائهم. وكانت مهمتهم مصاحبة الطفل في تعليمه. ولعل خير المؤدبين الأب والأم. فمن لم يؤدبه أبواه، أدبه الليل والنهار. وما قول لقمان الحكيم لابنه ببعيد حين قال لابنه وهو يعظه: «يا بُني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور» سورة لقمان «الآية رقم: 17». كذلك كتب عمرو بن عقبة لمعلم ولده قائلاً: «ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينيك، فالحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما تركت- علّمهم كتاب الله ولا تملهم فيه فيكرهوه ولا تتركهم فيه فيهجروه». ولعل أحد الملوك قد أوصى معلم صبيته بأن يعلمهم السباحة قبل الكتبة لأنهم سيجدون من يكتب عنهم ولن يجدوا من يسبح عنهم. وبما أن مستقبل الأمة مرهون بحسن تربية أجيالها وحُسن تربية الأجيال مرهون بإعداد معلم المستقبل، فإن إعداد الأجيال القادمة يتطلب مجهوداً ضخماً من كل المجتمع من قمته الى قاعدته حتى لا نختلف عن الركب. وتحقيق إصلاح التعليم يكون بتحديد احتياجات المستقبل، وهي مبنية على الحاضر. ولا ننسى أن نضع أعرافنا وتقاليدنا الإنسانية حسب ما تمليه عقيدتنا الإسلامية السمحاء حتى نستطيع ان نعلم أبناءنا ما نريد قبل ان يأتي من يعلمهم ما يريد. - معلم سابق