صديقي الباشمهندس عمر البكري أبوحراز ومرة أخرى بأمطار من الود.. وتلال من الحب.. وأنهار من كلام.. وبالأمس كان حديثي معك يفيض دهشة.. ويحتشد عجباً وبه ظلال من حزن لا يلامس حواف الغضب.. واليوم أكتب لك عن الجزء أو النصف الآخر من مقالك.. أكتب متفقاً ومتحالفاً ومزكياً لاقتراحك الوسيم الجريء الشجاع.. نعم اليوم أمامك ديباجة مكتوبة بماء الورد.. بل بعصير الصندل.. لا تسلني لماذا إذاً بدأت بالعتاب.. وإن سألت أجيبك بأني شديد الوله والحب لغيثارة الوطن وضمير أمته وعبقري غنائه الإمبراطور وردي.. وهنا دعني أرفع كفي سائلاً الله في خضوع العدوية.. وخشوع ابن الفارض أن يسبغ عليه ثوب العافية والشفاء التام ليعود لنا مصباحاً ينير دياجير الظلام.. وألحانا تشيع البهجة والسعادة في قلوب كم.. كم وهبها الفرح.. والإجابة يا صديقي أني قد تأسيت به وهو يصدح أمامك شكوتي وشكري.. بالأمس كانت شكوتي.. واليوم شكري.. نعم شكراً لك وأنت تقترح بأن يعود إلى سارية القصر ذاك العلم ثلاثي الألوان.. الذي رقص مع نغمات الريح ورقصت معه وقتها قلوب نزفت كثيراً حتى يتسلق ذاك العلم أعلى بوحته في القصر.. لا يهم إن كان العلم بنفس ذاك الترتيب.. المهم أن يكون بذات الألوان الأصفر.. الأزرق والأخضر.. وأنا صديقي أتمنى عودة العلم القديم لأسباب عدة أوجزها أو أشرحها في التالي: أولاً: حتى نستدعي من الذاكرة ذاك الشريط المجيد من صورة السودان الرفيع البديع وهو يزهو بديمقراطية شاهقة وساطعة.. نستدعي أياماً مضت لن ننسى ذكراها.. نستدعي روعة وعظمة ووقار البرلمانات وكيف كان السجال فيها رفيعاً ورصيناً يتلفح ببديع البيان.. ويقدم محاضرات في فن الخطابة.. وبلاغة التعبير. ثانياً: حتى يكنس العلم القديم.. العلم الجديد الذي ابتدعته مايو كآخر أثر من آثار مايو. ثالثاً: إن العلم الحالي هو مشتق من بيت الشعر الذي حولته الجامعة العربية إلى قرار التزمت به معظم الدول العربية وظلت تدور في فلك ألوانه الأبيض والأسود والأخضر والأحمر.. وبيت الشعر يقول.. بيض صنائعنا.. سود مواقفنا.. خضر مرابعنا .. حمر مواضينا .. يا له من كذب صراح ويا لها من فرية مضحكة.. بل يا لها من مهزلة عابثة بالله عليك يا باشمهندس تلفت حولك أنظر جيداً.. تمعن ملياً لتكتشف أن هؤلاء القوم يكذبون كما يتنفسون.. أي بياض في صنائع هذه الأمة العربية.. أي سواد يكيل الأعداء في أي موقعة عربية وسلسلة من الهزائم تكبر وتدور مع حبات المسابح.. وأي اخضرار وخضرة تلك التي في مرابع الأمة العربية.. وهل الاخضرار هو تلك التلال والبيد التي بعدها بيد.. إذن ماذا نقول على هولندا وكل دول الغرب الكافر الذي تبحث فيه عن (قبضة) رمل واحدة ولا تجدها.. وتجهد نفسك حتى الموت ولا تجد حفنة تراب تزن رطلاً.. أما الأكذوبة الكبرى هي قولهم حمر مواضينا إذا كان الحديث عن ما كان.. نقول نعم كانت (عمورية).. وكان (صلاح الدين) رغم أني لست عربياً.. أما اليوم فلا.. إن كل السيوف ترقد صدئة في الأغماد.. وإن أساطيل اليانكي ومارينز اليانكي هي التي تحرس الشواطيء والموانيء والأرض والأجواء. صديقي أتفق وأطابقك الرأي تطابق المثلثات بضلعين وزاوية.. وأبصم بالعشرة على قولك إن العلم الحالي يحرم كثيراً من أبناء السودان من كامل الولاء لهذا العلم الذي ليس لديهم فيه (فتلة) واحدة من الألوان.. وللذكرى فقط أقول إن بلداً عربياً وقف ضد دخول السودان للجامعة العربية.. باعتبار أن السودان زنجي وأفريقي.. لك ودي وخالص تحياتي..