دعا دكتور يوسف بخيت حاكم دارفور الأسبق أهل السودان إلى قيام مؤتمر قومي لحل أزمة دارفور كالمائدة المستديرة بالجنوب عام 1964. وقلّل د.يوسف من قدرة حركة التحرير والعدالة في إحلال سلام شامل بالإقليم موضحاً أن الانشقاقات التي بدأت تجتاح الحركة وأهمها خروج عبدالشافع ستؤثر سلباً على الاتفاقية خاصة وأن 70% من أهل دارفور لم يقتنعوا بها لفقدهم الثقة في مثل تلك الاتفاقيات.واقترح د.يوسف إرجاع دارفور إلى إقليم واحد لفترة زمنية مؤقتة كمرحلة انتقالية لمدة «10» أعوام يتم خلالها حل الأزمة، مؤكداً أن التقسيم كان السبب الأساسي في الانهيار الذي أصاب الإقليم.ودكتور يوسف بخيت من مواليد زالنجي ودرس بجامعة الخرطوم كلية الاقتصاد ثم دراسات فوق الجامعية بإنجلترا وايرلندا وماجستير في نظم الحكم ودكتوراه في الاقتصاد.. وعمل أميناً عاماً لأول حكومة بدارفور وتولى مسؤولية الحاكم المكلف لدارفور ثم المستشار الأول لمكتب الأممالمتحدةبالخرطوم ثم مساعد الأمين العام بالأممالمتحدة للشؤون الإنسانية في أفريقيا.. فإلى مضابط الحوار: كيف تنظر إلى سير تنفيذ اتفاقية الدوحة؟ - جاءت اتفاقية الدوحة بعد عدة اتفاقيات بدأً بأبشي وانجمينا وأبوجا وأديس أبابا وطرابلس، كل هذه الاتفاقيات الهدف الأساسي منها تحقيق سلام في دارفور، لكن لعدم التنسيق بين هذه الاتفاقيات لم يأتِ السلام في الوقت الذي يحتاج إليه الانسان.. اتفاق الدوحة لا يختلف في المضامين والتوجهات والأهداف عن الاتفاقيات الأخرى، لكن ما يميزها أكثر هو التزام الحكومة وحركة التحرير والعدالة والمجتمع الدولي وإلى حد ما التزام من مجتمع دارفور، للاستفادة من المناخ الإيجابي، ولابد من البحث عن كيفية تنفيذ أسرع، لكن للأسف الشديد هذه الاتفاقية تواجه الكثير من التحديات. في ماذا تتمثل تلك التحديات؟ - عدم انضمام بقية الحركات المسلحة التي لم توقع، وهذه مشكلة كبيرة ظلت تواجه كل الاتفاقيات إلى أن وصلت الدوحة، فالشخصيات التي ترأس تلك الحركات كبيرة مثل عبد الواحد ومني آركو وأبو القاسم إمام وأحمد عبد الشافع الذي تراجع عن اتفاق الدوحة، وعلى قمة هؤلاء أحمد إبراهيم دريج الذي يمثل أكبر قادة دارفور، لذلك لابد من المحاولة مع كل هؤلاء. ثانياً.. قناعة النازحين واللاجئين، بمعنى أن الحكومة والحركة الموقعة يتحدثان عن تعويضات ومحفزات للعودة، لكن هذا لن يحدث إلا بقناعة النازحين أنفسهم، وهذا دور الذين قادوا اتفاق الدوحة. ثالثاً.. الاتفاقيات السابقة اصطدمت بعدم وجود المال الذي خصص للاتفاق بالرغم من أنه لم يكن كافٍ، بالتالي من يوقع اتفاقاً يقف في منتصف الطريق، خاصة وأنه لم يحدد حجم التعويضات وتكاليف العودة، كما أن بالمدن فقراء نطلق عليهم «فقراء المدن» وهم الذين فقدوا كل ما يملكون. رابعاً.. نجد أن 30% فقط من أهل دارفور اقتنعوا بالاتفاق ، لكن تبقى 70% يجب الاهتمام بهم لأنهم أصبحوا لا يثقون في مثل تلك الاتفاقيات، لذلك أتمنى من إخواننا في السلطة الإقليمية أن يبذلوا الجهد في هذا الجانب.. ومن لم يوقعوا لديهم من يستمعون إلى حديثهم سواء كانوا في جبل مرة وجبل حيدوب ووادي أزوم ووادي صالح. في تقديرك كم يبلغ عدد الذين يتبعون للحركات التي لم توقع.. هل صحيح أصبحوا 10% فقط؟ - هذا غير صحيح، وجود الحركات غير الموقعة داخل المعسكرات كبير جداً، ومن وقع ليس بحركات ، بل انسلاخات من بعض الحركات سواء كانت أبوجا أو الدوحة، لذلك أثرهم غير قوي داخل المعسكرات. كيف تقيِّم الانشقاقات داخل الحركات خاصة وأن ذلك يحدث بعد توقيع اتفاق؟ - تحدث الانشقاقات نتيجة لعدم تنفيذ الاتفاقات والبطء فيها، وللأسف الشديد يحدث بعد توزيع المناصب بمعنى أ لكل شخص «منصاص». هل يمكن أن نقول السلطة هي هدفهم؟ - كثير من الذين دخلوا الحركات المسلحة يريدون مواقع لأسباب ما، وعندما كنت حاكم دارفور عام 1986 ذهبت إلى انجمينا للتفاوض على أمن الحدود مع حسين هبري، جاءني محافظ أبشي الذي يُعد شبه «اُمي» تم تعيينه في الوظيفة «بسلاحه»، وبذات المستوى تظهر انشقاقات بعد توقيع الاتفاق فهو مجرد حب للوظائف فقط. إذاً هذا خلل داخل الحركات؟ - نعم.. مسألة أن أولاد دارفور يتم تعيينهم باختيارات حسب وجهة نظرهم هذا غير صحيح ولن يأتي بسلام. كيف الخروج من هذا حسب تقديرك؟ - لن يتم سلام شامل في دارفور إلا بإقناع وتضمين غير الموقعين حتى يتم اتفاق بين كل أهل دارفور ويتم اختيار ممثلين لهم بإجماع عام. أنت تقصد أن اتفاق الدوحة جزء من الحل؟ - نعم.. فخمسة أعوام بعد اتفاق أبوجا لم تأتِ «بكوب ماء» والآن الدوحة لن تأتي بسلام شامل بالرغم من توفر المال حتى الآن لكن المال لن يأتي وحده بالسلام. لكن كل الاتفاقيات تعول على المال؟ - هذا صحيح، ولكن يصبح مفيداً بعد حدوث مصالحات داخل الإقليم، فالحكومة استعانت بقبائل ضد أخرى في السابق مما أدى إلى تشتت النسيج الاجتماعي، لذلك يجب أن تكتمل المصالحات أولاً حتى يصبح هدف الجميع السلام فقط. دور من هذا؟ - الدور مشترك بين المواطنين والحركات المسلحة، ويجب أن تكون المبادرة من الحركات حتى يقتنع المواطن ويقبل باختياره، فمجتمع دارفور أصبح معقداً بتفكيك النسيج الاجتماعي، وهذا ما يسمى بالتحول في حياة الإنسان لذلك يجب الجلوس لمناقشة كل هموم مواطن دارفور. هل الوضع السياسي الآن مشجع لذلك؟ - للوصول إلى إجابة محددة في هذا المحور يجب أن نتعامل بشفافية حتى نعزز ونطور الوضع السياسي. ما هو تقييمك لحركة التحرير والعدالة.. هل هي قادرة فعلاً للقيام بالدور الريادي في هذا الجانب؟ - التزام حركة التحرير والعدالة بالاتفاق يعتبر بداية قوتهم لأنها مكونة من عدة حركات، فعدد الحركات المسلحة 27، و منهم 18 أصبحوا ضمن التحرير والعدالة، لكن اذا حدث بينهم إشكال بالتأكيد سيؤثر على هذه القوة مثلما حدث لأحمد عبد الشافع، وعدد منهم في نيالا، في تقديري أن المسألة مسألة وقت فقط حتى عامين أو ثلاثة خاصة مع التحديات التي ذكرتها أولاً إضافة إلى إنشاء ولايات جديدة تحتاج إلى تأسيس وعمل كبير. ألا تعتقد أن خروج أحمد عبد الشافع خطر يهدد استمرار واستقرار الحركة؟ - التجاني السيسي لم تكن له حركة في الأصل، فقد جاء في أول جولات أبوجا كمستشار اقتصادي أنا وعبد الشافع والسيسي وابو القاسم امام وصالح محمود من منطقة زالنجي ونعرف بعضنا جيداً، أحمد عبد الشافع لديه شعبية واسعة خاصة في شمال زالنجي وكان الساعد الأيمن لعبد الواحد، في تقديري ان اتفاق عبد الشافع والسيسي أعطى قوة أكثر للاتفاق والحركة معاً. كان يمكن أن يستمر عبد الشافع في الاتفاقية دون تخصيص وظيفة له بمعنى أن يصبح مراقباً عاماً او مستشاراً للاتفاقية لكن ما عُرض عليه لم يكن متوقع وغير مُرضي. ما هو المنصب الذي عُرض عليه؟ - وزير دولة برئاسة مجلس الوزراء، لذلك أحبط من هذا خاصة وأنه أقوى شخص لدى حكومة الجنوب وهو من أقنع مني وأبو القاسم بالذهاب للجنوب، لذلك رأى أن ما عُرض عليه انتقاص لشخصه، إضافة إلى أن بعض المظاهر السلبية التي واجهت وفد المقدمة «حزت» في نفسه، وتوصل إلى نتيجة واحدة وهي أن الحكومة أرادت إيقاف إطلاق النار فقط كما حدث للجنوب في عام 1972. يرى بعض المراقبين وأهل دارفور انفسهم أن ما يحدث الآن حديث فقط لم يشعر المواطن بالاتفاقية حتى الآن كيف تنظر لذلك؟ - هذا صحيح، استمعت إلى أحد المؤثرين بالسلطة الإقليمية في حديث مخيف عن اتباع نهج الحديث دون العمل. «الدين النصيحة» ما الذي تقدمه لهم من نصائح؟ - أنصح كل منسوبي حركة التحرير والعدالة إذا لديهم مآخذ على أي فرد سواء كان من زملائهم أو الحركات أن يطووا هذه الصفحة، وان يبذلوا جهدهم للنزول للقواعد لأنهم الأهم، وان يهتموا ويستجيبوا لنداءات المواطنين، وأن لا يعطوا طموحات ضخمة لمجتمع لا يستطيع استيعابها. كيف الوضع الأمني الآن؟ - غير مستقر، إذا حاولنا التنقل بين زالنجيونيالا عبر «البص» تخضع للتفتيش حوالي 20 محطة. إلى أي جهة تتبع؟ - جزء منهم حركات والآخر جنجويد وغيرهم قطاع طرق «حرامية» وآخرون جبرتهم الحاجة. كيف تنظر إلى إضافة ولايتين للإقليم هل هذا سيعزز الاستقرار أكثر؟ - طرحت فكرة تقسيم الولايات في العام 1994 لكن رفضها أهل دارفور بالإجماع وأصرت عليها الحكومة، حينها قلنا لهم إذاً «قسموها» إلى 5 ولايات، لكنهم رفضوا وقالوا نريدها 3 فقط وجاءنا وقتها علي الحاج والشهيد الزبير محمد صالح ،وفي تقديري أن 3 ولايات لم تؤثر بإيجابية مثلاً ولاية جنوب دارفور كان بها 84 وظيفة دستورية وبالتأكيد تتبعها الكثير من الميزات والمخصصات ويتواجدون داخل عاصمة الولاية لكن على بعد اميال قليلة منها نجد انهيار في المدارس والشفخانة خالية من الدواء بالتالي في مثل هذا الوضع المتخلف نحتاج إلى إقليم واحد كفترة انتقالية لمدة «10» أعوام وحكومة واحدة ومجلس تشريعي واحد، هذا ليس تحيز لكن الانهيار الذي حدث لدارفور تم بعد التقسيم، مثلاً ولاية شرق دارفور التي أعلنت قريباً بها ثلاثة قبائل فقط «رزيقات، زغاوة ومعاليا» وفي شمال دارفور أغلبهم برتي وزغاوة لذلك الزغاوة يطالبون الآن بولاية لاعتقادهم أنها أصبحت قبلية، وسط دارفور أغلبهم فور وعرب وغرب دارفور مساليت، تاما وتنجر وغيرهم، وأوربا عندما شعرت بالتشتت في دويلاتها أعادت نفسها وتوحدت وأصبحت بعدها الوحدة الاوروبية، كذلك دول جنوب شرق آسيا تتجه الآن نحو الوحدة الاقتصادية والتنموية. هل هناك جهود من قبلكم لإلحاق الآخرين؟ - المشكلة أن الحكومة لا تسمح بأي جهد إلا من خلالها، بالرغم من أن المواطن البسيط باستطاعته القيام بدور كامل. لكن اتفاق الدوحة باركه أهل المصلحة؟ - من الذي شارك؟! أخذ عدد من الناس في أواخر الاجتماعات باعتبارهم أهل المصلحة وهم ليسوا كذلك وعندما وصلوا إلى الدوحة كان الوقت متأخراً وانفض الاجتماع فقالوا لهم «سنرجعكم» إلا انهم رفضوا وقالوا دعونا نرتاح قليلاً، كذلك في الجلسة الختامية جاءتني الدعوة في تمام الساعة «2» على أساس أن القيام بعد الخامسة، إلا أنني رفضت واتخذ كثير من الذين وصلتهم الدعوة متأخرة هذا النهج، ومن ذهب وبمجرد وصولهم للقاعة سمعوا «تصفيقاً» بانتهاء الاتفاق والتوقيع عليه، قام المؤتمر الوطني والأممالمتحدة بهذا العمل لأن حركة التحرير والعدالة غابت عن دارفور لأعوام طوال، كنت مسؤولاً عن مجموعة المساعي الحميدة وقبلها كنت رئيس شبكة دارفور قبل حسن برقو، حيث كنا أكثر من «200»، وبالرغم من كثرتنا لم تأت الدعوة لأي من هؤلاء وهم زعماء لقبائل كبيرة في دارفور. «أهل مكة أدرى بشعابها»..للإدارات الأهلية دور كبير في إنزال الاتفاقيات؟ - نعم هذا صحيح لكن تحولت الإدارات الأهلية إلى نظام أهلي يتبع للحكومة ويتقاضون مرتبات منها. هل تعني أن أهل دارفور أصبحوا لا يثقون بهم ولا يتخذونهم مرجعية كالسابق؟ - هذا صحيح.. وإلى حد ما يوصفون «بالأبوة» فقط لكن يعالجون المشكلة!! هذا لن يحدث بدليل أن المشايخ المتواجدون الآن بالمعسكرات ليسوا هم من كانوا بالحلال حيث تمكنت جماعة عبد الواحد من استقطاب عدد كبير من الشباب وأصبحوا مشايخ. كيف تنظر إلى حركة العدل والمساواة الآن هل ستتمترس مثل أيام د. خليل أم ستجنح للسلام؟ - ما يميز حركة العدل والمساواة أنهم متعلمون ومثقفون أكثر من خليل نفسه كالفكي ومحمود أبكر وغيرهم، وفي اعتقادي أنهم سيأتون إلى السلام لكن بمفهوم مختلف وهو مفهوم الدولة المدنية السودانية. أهم ملامح تميز شخصية جبريل؟ - هو أكبر من خليل إلا أنه متواضع وودود وهو صديق شخصي لي، حيث عملنا معاً في طرابلس بصياغة الاتفاقيات الاقتصادية وليس لديه نزعة الحرب والقتال بل التفاوض والدولة المدنية، وفي اعتقادي أنهم اذا لحقوا بالسلام سيكونون مفيدين أكثر من التحرير والعدالة بالنسبة لأهل دارفور. كيف تنظر إلى تحول الحركات لأحزاب بعد الاتفاق؟ - مثلاً حركة التحرير والعدالة يمكن أن يكون لديها قاعدة شعبية مشتتة حسب عضويتهم،وفي تقديري أن الوقت غير مناسب للتحول لحزب لأن الاتفاق وقع مع الحركة وليس الحزب، بمعنى أن الحكومة يمكن أن تتنصل عن الاتفاق بعد التحول. إذاً ما هو المخرج الحقيقي لأزمة دارفور في تقديرك؟ - تحتاج مشكلة دارفور إلى مؤتمر سوداني قومي مثل المائدة المستديرة عامي 47-1964 في الجنوب، و قد كانت في السابق بعض المحاولات لمؤتمر قومي مثل محاولة عز الدين السيد في 2004 لكنها كانت مرتجلة ولم تأخذ الشكل الواقعي المطلوب.