معظم «ناس الحلة» يعرفون أن مسعود مجرد رجل «هراش» يهوى التشدق بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة.. أصبح عادياً أن تجده يصرخ في وجه أي فرد من «ناس الحلة».. أعمل حسابك.. والله اضربك ضربة أخليك بين الحياة والموت.. أو يهدد: أنا والله صعب! أو يتوعد: والله أديك «بونيه» واحدة أكتمك النفس. ظل هذا ديدنه مع الكبير والصغير.. البعض يخاف الهرشة حقيقة، والبعض يعمل بنظرية أبعد من الشر وغنيلو.. من النادر أن يتصدى له أحدهم أو يدخل معه في تحدٍ. منح الله «مسعوداً» بسطة في الجسم فهو طويل القامة.. متين البنيان.. إذا مشى تهتز أركان الطريق... له صوت قوي يخيف الشُفَّع.. حتى إن أحدهم بلل سرواله جراء هرشة.. ويخيف الذين يحملون قلوباً رهيفة، بينما يتجاهله المستريح جراء معرفة عزه. كان لا يرعوي، يهرش الناس من طرف.. ذات يوم من الأيام العادية والتي لم تعد عادية فيما بعد.. تشاجر ابنه مع ابن جارهم «حمدان الحيران»، وكان حمدان على عكسه في الحجم، فهو ضعيف البنية، هزيل الجسد، لكنه لا يرضى «الحقارة» كما أن لسانه «فلقة»، ورغم حجمه الضئيل كان مشاكساً خاصة حين يعبيء الطاسة ويكون محتسياً الصهباء، أو بالأحرى البيضاء. وكان إن ضرب ابن «حمدان» ابن مسعود ضربة أحدثت في وجهه كدمات، وذلك في شكلة عادية بين الأطفال، ذهب مسعود وهو يرغي ويزبد الى منزل حمدان، واشتجرا وبسبب صوتهما العالي تجمع الناس.. وكلمة من هذا وكلمة من ذاك، وكانت القفلة «هرشة» مضرية هدد فيها مسعود حمدان مزمجراً: والله أنا بكتلك أصبر لي كان ما رصصتك. إن ما اديتك رصاصة في قلبك.. إذا ما فرغت فيك طبنجتي ابقى أنا ما مسعود. تدخل الأجاويد وفضوا النزاع وذهب كلٌ الى حاله.. وشاءت الأقدار.. ومثلما يحدث في الأفلام الهندية تماماً.. وجد فجر اليوم التالي للمشاجرة جثة لرجل مقتول برصاصة في صدره، تبين انه حمدان الحيران.. وجده الناس في الفجر مضرجاً بدمائه.. أول من اكتشف الجثة عبدالرحمن المؤذن فتبسمل وحوقل. وأخذ يصيح ويضرب أبواب البيوت فتجمع الناس، خاصة وكان البعض قد خرج الى صلاة الصبح في جامع الحلة. تم تبليغ السلطات.. حملوا الجثة الى المشرحة.. جاء تقرير الطبيب أن سبب الوفاة طلقة نارية اخترقت الصدر واستقرت بالقلب. بدأت التحريات ومن الطبيعي أن تجيء سيرة شكلته مع حمدان.. وشهد الناس بانهم سمعوا مسعوداً يهدد «حمدان» بأن يرصصه.. حتى أن بعضهم ذكر أنه قال سيضربه في قلبه حسبما جاء في تقرير الطبيب تماماً. كان مسعود هو المتهم الأول وتم اعتقاله.. تحول «مسعود» الهراش الى مذعور جبان وأخذ يهذي: والله أنا ما بكتل نملة.. أنا بتكلم ساكت.. أنا مجرد زول هراش.. والله أنا لما يضبحوا جدادة قدامي ما بستحمل... ولكن هيهات. مرت الأيام وهو في المعتقل، توالت التحقيقات والتحريات حتى ظهرت الحقيقة، وتم اكتشاف القاتل الفعلي.. كان مجرد لص دخل على بيت حمدان فشعر به... وقام بمطاردته في الليل البهيم، ولما حاصر اللص الذي كان يحمل «طبنجة» اضطر الى استخدامها حتى يتخلص من هذا الرجل العكليت، وذلك حسبما جاء في اعترافات القاتل. بعد افصاح الحقيقة أفرج عن مسعود.. وعاد الى بيته وهو لا يكاد يصدق.. وبعد اسبوع فقط.. حاول أن يعود هراشاً ويتوعد ويهدد، ولكن الناس يذكرونه بقلة حيلته واعترافه بانه لا يستطيع قتل نملة، ولا احتمال «ضبح» جداده.. عندما يسمع ذلك يصمت ويسرح متذكراً أيام الاعتقال المريرة فيقول في انكسار: آي والله!