لا يختلف اثنان عن أن الدين الاسلامي كان هو الفاصل الأساسي في قضية الوحدة والتعايش السلمي بين اهل السودان (قديما) جنوبه وشماله، فقد تمسك الشمال بالدين الاسلامي وعمل على ربط الدين بالدولة (الشريعة الاسلامية) الشيء الذي حث الجنوبيين على رفض الشريعة، والمناداة بفصل الدين عن الدولة، وأخيراً تم الانفصال وكان عزاؤنا الوحيد كشماليين هو ان الدين الاسلامي سوف يكون هو الحكم بين اهل البلاد في السودان الشمالي، ولا غلو اذا قلنا أنه لو كان معظم أهل السودان (القديم) مسلمين لما اضطررنا لعملية الفصل، والدليل على ذلك وجود كثير من الجنوبيين المسلمين الذين ينعمون بالعيش بيننا في أمن وسلام. وقد أدى الانفصال الى وضوح الرؤيا من حيث منهج وطريقة الحكم بعد الانفصال. اصبح الان نتاج الانفصال ملموساً حيث اصبح معظم اهل الشمال مسلمين وهذه نتيجة جيدة تعتبر كسباً سياسياً مؤثراً ايجابا في مستقبل البلاد، ولعلي هنا اريد ان أنسب النجاح الى المؤتمر الوطني الذي تكبد الكثير حتى وصل لهذه المرحلة والتي تعتبر أيضا مرحلة فاصلة ومؤثرة لما فيها من ملفات كثيرة بين الدولتين يجب ان يتم وضع الحلول الجذرية لها. لكن وبصورة ما، وبنفس السرعة التي اجتهدت فيها الحكومة من اجل ان يصبح الشمال وطنا للشماليين فقط، استطاعت ان تساعد وتسهل في عملية جعل الشمال وطناً لغير الشماليين!! فقد اصبح السودان مكتظاً بالوفود القادمة الينا من (القرن الافريقي) وهنا أقصد (الأحباش) الذين استطاعوا في وقت وجيز ان يستحوذوا على معظم المشاهد اليومية في حياتنا بتحركاتهم في بيوت الايجار، وكل الاعمال الخدمية تقريبا، وحتى الشوارع ومحطات المواصلات، بل اصبح لهم نصيب في بعض المناطق من فتح المحال التجارية الخاصة بهم. وبصورة مذهلة وسريعة تفوق سرعة الضوء اصبح لهم وجود علني في خارطة المجتمع السوداني. بل انحسر الوجود السوداني في بعض المناطق فتجد نفسك أشبه بالضيف أو الأجنبي. ما نريد قوله هنا أنه بقدر ما اجتهدت الحكومة في اعلاء وتحكيم (الشريعة الاسلامية) وذلك بتهيئة الجو المناسب لها لدرجة فصل الشعب الواحد، فهي كذلك، لا نقول عملت ولكنها ساهمت مساهمة مقدرة في تكوين بادرة لدولة جديدة يكون فيها الوجود المسلم أضعف من غيره أو صنع منافس له من خلال هذه الرحلات الكثيفة للاحباش. وهي بذلك أي الحكومة تكون قد فسرت الماء بالماء، فكما اجتهدت وبكل الطرق الممكنة وغير الممكنة في فصل الجنوب عن الشمال والفوز بالدين الاسلامي، فالاجدر ان تعمل على حماية هذا الدين من الداخل وذلك ليس بتقنين هذه الهجرات ولكن بمنعها والعمل على ارجاع هؤلاء النفر فوراً. اصبح لزاماً علينا التعامل مع الوضع الحالي بنوع من الشفافية، فهناك مسلمون ايضا يحضرون من تلك البلاد، وهنالك ايضا من يعلن اسلامه بيننا وهذه ظاهرة حميدة نحمد الله كثيرا عليها، ولكن المؤكد هو وجود تلك الاعداد الكبيرة من غير المسلمين بيننا، ولعل الفئات العمرية الملاحظ وجودها وبكثافة كبيرة هي الاخطر على النسيج الاجتماعي والذي ان تصدع تصدعت كل القيم والتقاليد المتوارثة والمعروفة عنا كسودانيين. والمتتبع لهذه الهجرات الكثيفة قد يلاحظ وجود بعض المفارقات، فحتى وقت قريب كان حضورهم هنا من اجل السفر والهجرة الى اوربا وامريكا، ثم ما لبث أن تغير الحال فاصبح وجودهم لفترات طويلة يحتم عليهم البحث عن العمل، وحتى ذلك الوقت كان وجودهم مقبولا ولا يشكل أي خطر آني او مستقبلي، ولكن الان وفي ظل الغفلة الكبيرة من قبل الحكومة ووجود الدافع القوي المخفي عنا كسودانيين الذي من أجله اصبح السودان مفضلا للاستقرار اكثر من اوربا وامريكا وغيرها، واني اعتقد انه اذا ما تمت دراسة ما لتحليل وبحث لنعرف ذلك السبب الخفي الذي يجعلهم يفضلون السودان أكثر من السودانيين أنفسهم. لا بد من مراجعة ذلك الوضع الخطير والذي ان لم يظهر تأثيره السلبي حالياً سيظهر في المستقبل والمستقبل القريب. ختاماً نرجو ان تجتهد الحكومة في التعامل بكل ما أوتيت من قوة لحسم هذا الوجود الذي اصبح يشكل خطرا كبيرا والتعامل مع هذا الملف بنفس الجدية والنفس الذي تتعامل به مع ملف الجنوب. في الختام دلل على وعيك الاجتماعي بالابتسام في وجه الاخرين (تبسمك في وجه اخيك صدقة) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.