أحد المرجفين في المدينة لم يجد شيئاً يواسي به نفسه بعد الخيبة والحسرة التي أصابته بتحرير هجليج، وهو الذي كان خلال عشرة أيام لا تفارق البسمة وجهه، ويتصدى للحديث في التجمعات والمناسبات ناقداً وشامتاً ومخذلاً، لم يجد شيئاً للمواساة إلا أن يقول: «البشير ما ليهو حق يقول: الحشرة الشعبية»!! هو لا يعلم أن الرئيس البشير لم يأت بهذاالاسم من عنده، فحركة التمرد التي انطلقت من توريت 1955م واستهدفت التجار الشماليين العزل وقتلتهم في الأسواق برعاية المستعمر. الذي درب الكتيبة الاستوائية. وجعلها انجليزية الأوامر. كنيسية الشعائر، وملأها بالحقد وأجرى لها أول بروفة للتمرد في توريت، قبل بضعة أشهر من خروجه في 1/1/1956م.. هذا المرجف لا يعلم أن هذه الحركة بعد أن توسعت وأصبحت تقاتل الحكومة سماها أصحابها (أنانيا)، ولنقرِّب النطق يمكن نكتبها (أنجانجيا)، و(أنانيا) في لغة الدينكا تعني (الحشرة السامة)، وفي مايو 1983م بعد انهيار اتفاقية اديس ابابا الموقعة في 3/3/1972م انطلق التمرد الثاني بقيادة كاربينو كوانج، ثم تم تأهيل جون قرنق اكاديمياً ومُنح الدكتوراة في عام واحد في إحدى جامعات أمريكا، وتم إعداده قبل ذلك لقيادة التمرد، فترك مقعده المرموق محاضراً بجامعة الخرطوم كلية الزراعة، وضابطاً في الجيش السوداني برتبة عظيمة- (عقيد)- ليلتحق (بأنانيا 2).. أي الحشرة السامة رقم (2)، وهذا هو اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل أن تسمى بهذا الاسم، وقد ركَّب لها الرئيس البشير اسماً من الاسمين ووضع كلمة تدمير مكان كلمة تحرير فأصبحت: (الحشرة الشعبية لتدمير السودان)، واسم (الحشرة الشعبية) هو أرقى من اسم (الحشرة السامة). لاحظوا أنهم منذ نشأة تمردهم الأول هم يعترفون أن السودان عبارة عن جسد وهم عبارة عن حشرة تلسعه!! فهم لم يَصدُقوا قط إلا في هذه التسمية المعبرة عن حالهم، وهذا ليس بمثابة اعتذار عن اطلاق البشير اسم (الحشرة الشعبية) عليهم، فهم يستحقون ذلك حتى ولو لم يسموا أنفسهم به. أرأيتم كيف أنهم يخذلون مشايعيهم ليس في الحرب وحسب، وإنما حتى في اختيار الاسم، فهم ومن شايعهم (حشرات سامة)- على حد تعبيرهم. اتصل بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة بسلفاكير ينصحه بالانسحاب من هجليج، سلفا رد عليه في الإعلام (أنا ما شغال معاك)، وظل الأمين العام يتصل طوال اسبوع تنفيذاً لأوامر أمريكية ملحة، ولكن لا حياة لمن تنادي، أمريكا تعرف تماماً ميزان القوة بين الدولتين (السودان وجنوب السودان)، وتعرف تماماً العقيدة القتالية لدى الطرفين.. أما سلفا الذي كان نائباً للرئيس من نمولي إلى حلفا فهو يقول إن النيل الأزرق تمردت والنوبة تمردوا، وأهل دارفور تمردوا، وناس الشرق تمردوا، لكن ناس الشمالية جبناء ويخافون من كشكشة الثعبان والعقرب!! فكره الساذج وذاكرته التي اضعفتها معاقرة الخمر لم يسعفاه بأن الذين يردون عدوانه دائماً هم تشكيلة من هذا السودان الكبير ذاكرته مسحت(سانتينو داويو) الجنوبي الذي ينشد بلهجة جنوبية محببة: «من الموت ما في فرة.. من الموت ما في فرة.. موت لي موت أخير في الله) ثم يقتل ممسكاً على زناد بندقيته. وذاكرته مسحت شهداءنا من الأطباء والصيادلة والمهندسين والمحامين وأساتذة الجامعات، وغيرهم أمثال الصيدلاني الشهيد أحمد بشير الحسن، والطبيب الحاذق عوض عمر السماني، أول الشهادة السودانية التي لم يجلس لها سلفا حتى الآن!! والمهندس محمود شريف، وغيرهم كثيرون كثيرون.. وهو ينسى أن الشهيد الزبير ذهب إليهم في الغابة بدون حراسة ليفاوضهم غير آبه بحماقاتهم وتفلتاتهم، وكان يمكن أن يفعلها أي سكرانٍ منهم ويقتل نائب الرئيس، ويدعون أنه قتل في المعركة، لأن الزيارة لم تكن اصلاً معلنة!! إن أمثال هؤلاء لا تخيفهم كشكشة القش يا سلفا!! هرول سلفا يبحث عن انسحاب آمن وضمانات دولية لهذا الانسحاب الآمن، بعد أن اتصل قائدهم الميداني يستنجد ويستغيث يشكو حال قواته التي فقدت أكثر من تسعمائة هالك في أول معركة على مشارف هجليج، وهو يقول لحاكم ولاية الوحدة: «يا تعبان موت كتير.. موت كتير».. كان من الأفضل لك يا سلفا أن تكون (شغال) مع الأمين العام للأمم المتحدة، خير لك من أن تهلك هؤلاء البسطاء الذين استدرجوا رويداً رويداً خارج هجليج ،ثم سحقوا سحقاً «موت كتير.. موت كتير» رغم أن «جيبو حي» كانت شعار اللواء ركن كمال الدين عبد المعروف قائد قوات استرداد الحق ورفاقه الميامين من مجاهدي القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات والقوات النظامية الأخرى، وقوات الدفاع الشعبي، والمواطنين السودانيين هناك، وفي كل مكان ورغم أن «موت كتير» لكن (الجابوه حي) كثير والحمد لله، سعدت بحضور الاجتماع المشترك للجنة الدعم الاجتماعي لأسر الشهداء والجرحى برئاسة وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي الاستاذة أميرة الفاضل، ولجنة الشؤون الإنسانية برئاسة وزير الصحة الأستاذ بحر أبو قردة، الذي دعت له وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي بمشاركة وزيرة الرعاية والشؤون الاجتماعية بولاية الخرطوم الأستاذة مشاعر الدولب، وقادة كلٍّ من ديوان الزكاة، والتأمين الصحي، والامدادات الطبية، وجهاز الأمن والمخابرات، والدفاع الشعبي، ومنظمة الشهيد، ووزارة الصحة بولاية الخرطوم، ولجنة الطواريء الصحية، ومفوضية العون الإنساني، والهلال الأحمر السوداني، وقد اسعدتني الاحصاءات الدقيقة للاحتياجات العاجلة والاحتياجات المستمرة، والتنسيق الرائع بين اللجنتين، واستعداد كل الجهات المشاركة في اللجنتين لبذل كل غالٍ ونفيس من أجل إزالة آثار العدوان على المنطقة، وأهل المنطقة، وكل الجيوب التي سيتم تحريرها من الحركات المتمردة.. هؤلاء نحن يا سلفا فماذا فعلت انت بذوي الهلكى من قواتك المندحرة، وماذا تفعل بجرحاك إذا وصلوا إليك؟! ماذا تفعل يا سلفا مع جوال البصل الذي بلغ في جوبا مليون جنيه؟! وعن الذرة والدقيق والسكر والملح اسألوا أهل جوبا.. اللهم لا شماتة ولكن هي الحرب.. اللهم تقبل شهداءنا وأشف جرحانا، واربط على قلوب مجاهدينا، وأحفظ بلادنا، وأهلك اعداءنا.. بحولك وطولك وقوتك يا عزيز يا جبار.. آمين..