من قاعدة... الصحافة.. ظللت طيلة عمري.. أقصف نيراناً مشتعلة.. بلا هوادة ولا رحمة لكل.. عابث بأمر الوطن أو المواطنين.. كانت ذخيرتي.. هي مداد قلمي.. وأوجاع كبدي وزفرات يراعي.. في سعادة وشرف.. كنت أفخر وأفاخر.. بكل أحبتي الصحفيين وهم يتصدون في بسالة.. لأمور الوطن والشعب.. كل من موقعه.. لا أوافق.. كثيراً منهم.. ولكن لم يكن الأمر يزعجني البته.. انحيازاً للمقولة الشائعة.. الناضحة بالحكمة.. وهي .. إن كنت لا ترى ما نرى.. فدعنا نرى ما ترى... كانت مدفعيتي... موجهة أبداً.. من داخل قلعة «الصحافة».. ولم يستدر مدفعي والذي هو قلمي إلى أي صدر صحفي.. واليوم.. أحبتي في الصحافة.. عموماً.. وتلك الاجتماعية خصوصاً.. دعوني لأول مرة.. أمارس معكم نصاً.. قد يكون صاخباً.. وغاضباً.. وأيضاً لا يهم.. فأنا من الذين يهيمون ويذوبون وجداً في المقولة.. إن بممارسة النقد والنقد الذاتي تستقيم الأمور.. وينصلح الحال.. وتسعد الأوطان. اليوم دعوني.. أبدأ معكم صفحة اللوم.. بعيداً .. عن «رقة» وشفافية روح المبدع «هلاوي» الذي يقول.. الورد لو خانه الفراش.. ما أظن تلومو مع الندى.. أنا أحبتي.. ألومكم.. في الهواء الطلق.. وعلى رؤوس الأشهاد.. وتحت هالات الضياء أو تحت وهج الشمس.. وقبل كل حساب.. أنا لست واعظاً دينياً.. ولامصلحاً.. اجتماعياً.. ولا تنفيذياً حكومياً.. ولا ولن أتقمص .. أو ارتدى زوراً وبهتاناً قميص.. الودود المهذب العالم علي شمو.. ولا جلباب الأمين العام.. «العبيد مروح».. أعذروني.. أساتذتي.. فأنا اليوم.. بل لأيام وشهور.. أجلس على «جمر تهبو الريح» مفزوعاً.. مروعاً خائفاً.. للذي أطالعه في الصحف.. السياسية والاجتماعية.. ليس الذي أفزعني.. وهو أمر يدعو للخوف حتى الموت.. نشر الحوادث البشعة من قتل وحرق واغتصاب وتشويه واحتيال.. وتكسير جمجمة أو تهشيم عظام.. أبداً.. ليس هذا مصدر خوفي ورعبي.. كل الذي أرعبني.. وأزعجني .. هو وضع الصحف.. صور الضحايا من الأطفال.. الذين تعرضوا للاغتصاب .. لا يهم إن كان الطفل بعد الاغتصاب حياً أو ميتاً.. ولكن إظهار الصورة.. صورة طفلة أو طفل مغتصب.. مع إيراد ونشر اسمه كاملاً حتى الجد الرابع.. يظل شبح الحادثة يطارد هذه الأسرة حتى الممات.. وصدقوني إن هذه الصورة - صورة الطفل أو الطفلة المغتصبة- تصم هذه الأسرة.. لعشرات السنين صحيح أن أسرة الضحية ليس لها يد في الجريمة البشعة البربرية المتوحشة... ولكن هذا النشر سوف يلاحق هذه الأسرة بل قد يعصف.. بحظوظها في حياة آمنة ومستقرة.. ومثال على ذلك تخيلوا.. أن شقيقة هذا الطفل.. وبعد عشرين سنة من تلك الحادثة.. ونشر صورة شقيقها الضحية.. تقدم لها.. أحد الشبان للزواج.. ألا تشكل هذه الصورة.. حائطاً من الصد.. أو على الأقل.. ظلالاً من عدم الارتياح.. للمتشددين من أسرة العريس.. بالله عليكم.. أوردوا هذه الأخبار المؤسفة البشعة على صفحات صحفكم ولكن رجاء.. بلا.. صور ولا أسماء.. مطلقاً.. ثانياً.. لقد أوردت بعض الصحف تقريراً مخيفاً عن المخدرات في الجامعات.. وهنا لا اعتراض لدينا من قرع ناقوس الخطر.. ولكن أن يأتي الخبر بالنسب المئوية وبالتفصيل المخيف.. والصحف تتحدث عن أن عشرين في المائة من المتعاطين من طلبة وطالبات الجامعات.. إن هذا الخبر وبهذه الصورة الساطعة كشمس الظهيرة.. تثير زوابع الفزع والخوف.. وتزرع غابة من الشك في نفوس الآباء والأمهات.. وهي نسبة مخيفة حد الرعب.. «يعني» بالحساب الواضح البسيط النسبة تقول.. إن بين كل خمسة طلاب أو طالبات هناك مدمن واحد.. وبتقفي آثار هذه النسبة نقول.. إذا كانت هناك أسرة لها.. عشرة أفراد من الطلاب.. يقيناً أو شكاً معقولاً.. أن اثنين من طالبات أو طلبة هذه الأسرة من المتعاطين للمخدرات.. أنا لا أعرف من أين أتت هذه الصحف بهذا التقرير الذي كان يجب أن يكون سرياً جداً وخصوصياً جداً..لا يطلع عليه غير الشرطة و أصحاب الشأن من معالجين وأطباء تأهيليين.. ونفسانيين.. أحبتي.. لست أدري .. هل الوضع يستحق كل خوفي.. ورعبي.. وجنوني.. أم هي تخيلات.. وأوهام.. تحوم في تخوم عقلي.. المهم.. أسفي البالغ إن كنت قد نصّبت نفسي عليكم وصياً..ولكم العتبى حتى ترضوا.. ولكم ودي.