عندما تتكرر الرسالة الإعلامية بلا تنويع فإنها تحدث في متلقيها حالة من التشبع تنفرهم من قبول أي رسالة، وهي شبيهة بحالة التخمة التي يتعرض لها من يكثر من الطعام حتى إذا عرض عليه ثانية أو طلب منه أكل المزيد أعرض عنه، بل وقد يفرغ كل ما في جوفه إن استجاب أو أكره كما تفعل عندنا بعض الجماعات بالقسم المغلظ بالمولى سبحانه وتعالى أو بالطلاق إن دعا الداعي إمعاناً في الإكرام. التكرار مع التنويع مطلوب في الرسالة الإعلامية حتى ترسخ وتتعمق في نفس المتلقي، وهو أسلوب نجده في القرآن الكريم في القضايا الإيمانية التي يعمل على تعميقها ووقرها في الصدور، وأيضاً لبيان أهمية وتعظيم الأمور والمسائل بالترغيب والترهيب حتى يقبل المؤمن عليها ويكثر منها كالطاعات، أو ينفر ويفر منها كالمعاصي. وفي الرسالة لابد أن نفرق بين الإشباع «Gratification» والتشبع «Saturation» ، فالإشباع يكون لحاجة في نفس المتلقي ينبغي أن تلبيها وسائل الإعلام وهي مرتبطة بتحفيز أو مكافأة أو فائدة يتلقاها المتلقي بتعرضه واستجابته للرسالة الإعلامية. والتشبع هو حالة من الإعراض والحكم بعدم تلقي أي رسالة من هذه الشاكلة لتخمة من صور ومعلومات مكرورة وأحداث تتشابه ويأس من أمل، فعلى سبيل المثال هل يتلقى الناس أحداث القضية الفلسطينية أو أحداث العنف في العراق وأفغانستان وحتى أحداث دارفور، بذات الاهتمام لأحداث يمكن أن تقع في بلاد عربية ومسلمة أو قضايا جديدة تبرز على صدر نشرات الأخبار في أي بلد من بلدان العالم. في الحالة الأولى تشبّع المتلقي من المعلومات المكررة والصور والحوادث المتشابهة، وفي الحالة الثانية سيهتم بها حتى إذا تكررت واستمرت وبذات الوتيرة، تشبع منها لينتظر صنفاً جديداً من الأحداث والأخبار والحوداث. والرسالة الإعلامية يعرض عنها المتلقي إذا بذلت له وعوداً لن تتحقق كما يفعل السياسيون أثناء حملاتهم الانتخابية، أو كما تفعل وسائل الإعلام الرسمية التى لا تتحرى الدقة ولا تمحص رسائلها الموجهة الى جمهورها وتغربلها من دعايات الكسب السياسي ونقل الواقع الماثل، وقد وصف علماء الاتصال الحالة التي تصنعها وسائل الإعلام من رسم الصورة الزاهية وبذل الوعود لمكاسب لا وجود لها، بثورة الإحباطات في مقابل ثورة التطلعات التي عملت على بثها. أنظر الى خطاب الوحدة والرسائل الإعلامية التي تنقلها وسائلنا الإعلامية وأجد فيها هذين المعيقين لوصول الرسالة الإعلامية الى الجمهور الذي تستهدفه هذه الرسائل، تكرار بلا تنويع، ووعود الساسة التي تصور السودان الموحد كأنه المدينة الفاضلة أو جنة الخلد، ومحتوى لا ينقل الواقع أو يصوره كما هو حتى يتعامل معه الكافة كانت الوحدة أو حدث الانفصال. نحتاج في هذه المرحلة الى الرسائل الإعلامية التي تحقق الإشباع لا التشبع، والتي تجذب كل الجمهور السوداني ليتحلق حول وسائل الإعلام مصدقاً لما تقوله، ومستجيباً لما تطرحه.