ضميره الميت لم ينبض .. فتحرك نحو أشتات المتضررين من سيول الخرطوم الأخيرة ... مرض نفسه انعكس ابتلاء في يده التي امتدت لتبحث عن مال سائب ... نبش ونبش وخلَّع ومزَّق .. ولم يترك في باطن السيارة سوى أثر مخالب وحش إنسي كاسر... فر بشنطة ظاهرها فيه المغنم وباطنها من قبله الندم .. ظن أنها دسمة.. إنه الحرامي الذي استولى على كل ما ادخره صاحبنا من كنوز الدنيا وزخارفها التي لم تتعد (وريقات) .. فر ظانا أنه ظفر بكنز ثمين... ما كان للحرامي الانتهازي أن ينبش بكل تمهل لولا شعوره بأن الوحل لن يمكِّن أي قادم من منزل صاحبنا قبل أن يمنحه فسحة من زمن كاف لفراره.. صاحبنا الذي فقد كل وثائقه الرسمية التي خشي عليها من بلل أصاب كل مكان في منزله كان يتحدث إليَّ بحسرة (ليتني تركتها للمطر، فقطراتها أرحم بها من كف لص جعلني (نكرة) لا جنسية ولا بطاقة شخصية ولا حتى شهادة ميلاد. ولأنه فوجئ أنه يسكن جزيرة تحيط بها المياه من كل جانب، اضطر على مدى امتد لأكثر من أسبوعين إلى إيقاف دابته الحديدية على تل من الرمل الأحمر بعيدا، بعد أن يودع مقتنياته بما فيها (الجزمة والشراب) بداخلها... ليغادرها (خائضا) إلى بابه.. وربما أن لمعان الحذاء أغرى ذي الكف المريضة والنفس الرخيصة فلم يسلم من حملة الاعتقال التي مورست على ممتلكات المسكين الذي استيقظ ذلك الصباح على آثار هجوم شنه صقر بشري على سيارته بليل. قال لي، ومشاعر الألم تعتصره إنه يعلم أن اللص كان يبحث عن نقود وجنيهات وربما شيكات وجميعها لم تكن في الشنطة الفارهة التي ما كانت تحتضن في أحشائها إلا أوراقا ثبوتية لن يفيد منها أحد غيره، مستدركا أنه لو عثر على الحرامي لأعطاه مطلبه حلالا سائغا ولما كلفه وزرا عظيما اقترفته يداه في رمضان شهر التوبة والغفران. صديقي الذي اكتشف فجأة أنه سُرق مرتين .. مرة بأمر الدولة التي باعته « بحرا » ، وأخرى لما فرَّطت في رعايته وحمايته من كلاب الإنس الضالة التي نهشت لحمه حيا... على كل حال (الحصل حصل، المهم نتعلم بقروشنا وأوراقنا ونسد الثغرات لأي مطرة جاية وأي يد منتوشة)، هكذا ختم صديقي الضحية حكايته داعيا اللص لجائزة ثمينة حال إعادته الأوراق ، والجهات المعنية لتأمين ممتلكات منكوبي الأمطار الخريف المقبل... لكنها لم تعد حتى الآن .