أصدر السيد رئيس الجمهورية قراراً قبل عشر سنوات- تحديداً في مايو 2002م- بمجانية علاج الأطفال، وأجراء العمليات القيصرية للأمهات، لكن السيد والي الخرطوم فاجأ شعب ولايته المغلوب على أمره يوم السبت الثامن من هذا الشهر بقرار نقلته كل الصحف- بدون استثناء- يجُب ويلغي قرار السيد الرئيس، إذ قضى قرار الوالي الذي أذيع على الهواء مباشرة لحظة افتتاح- أوبالأحرى إعادة افتتاح- مستشفى الخرطوم الجنوبي، قضى القرار بإيقاف مجانية علاج الأطفال وإجراء العمليات القيصرية للأمهات. أولاً علينا جميعاً أن نرفض هذا القرار، وعلى المجلس التشريعي لولاية الخرطوم مناهضته حتى يتم إسقاطه وعدم تنفيذه، نحن لن نغامر بصحة أطفال السودان- أطفالنا- الذين هم من الشرائح الضعيفة التي لا تعرف التظاهر ولا حمل السلاح في مواجهة القرارات الظالمة والمجحفة.. ثانياً.. على السيد الدكتور عبد الرحمن الخضر مراجعة هذا القرار بالجلوس مع أهل الاختصاص والمعرفة من استشاريي طب الأطفال، وأن يجلس لممثلي المواطن في المجالس التشريعية واللجان الشعبية، حتى تتضح له الصورة، لأن هذا القرار هو مقدمة لنتائج خطيرة سيكون لها آثار سياسية واجتماعية واقتصادية مدمرة، خاصة في ظل التردي الحادث أصلاً في خدمات الصحة بالمركز والولايات، والذي تمثل في أبشع صورة في «استشهاد» سيدة «طبيبة» وأم قبل فترة قريبة داخل مستشفى الولادة بأم درمان، هي الشهيدة بإذن الله- الدكتورة سحر سعد الطيب رحمها الله- والتي نقل مأساتها وصورها بقلمه الكاتب والأستاذ الكبير عمر محجوب سليمان في باب اليوميات بصفحة الرأي في صحيفة «آخر لحظة» أمس. وتمثل أيضاً ذلك التردي المريع في خدمات الصحة والعلاج في وفاة ثلاثة أطفال وردت قصتهم كاملة في باب «صدى» المقروء للأستاذة آمال عباس بصحيفة «الصحافة» الغراء يوم أمس الأول، وقد كان سبب الوفاة مركباً، هو الملاريا وقبلها سوء التغذية الذي يتسبب فيه الفقر. وعلى الدولة في أعلى سلطة ممثلة في السيد رئيس الجمهورية ونائبه الأول ونائبه الثاني أن تتدخل لوقف هذا القرار الذي سيؤدي دون شك إلى ارتفاع معدلات نسبة الإصابة والوفيات بين الأطفال المواليد وحديثي الولادة في السودان، والتي تعتبر حالياً من أعلى النسب في العالم، خاصة وأننا نعيش في ظل ظروف اقتصادية تعاني منها الغالبية العظمى من الأسر تستوجب أن تتدخل الدولة لحماية ومعالجة أكثر شرائح المجتمع عرضة للمرض والإصابة بالعدوى. القرار خطير ويزعزع الأمن النفسي لدى المواطن، ويغيّب الدولة عن لعب دورها الرئيسي في حماية مواطنيها خاصة تلك الشرائح الضعيفة والمستهدفة بالمرض. وجدت نفسي انفعل بهذه القضية بعيداً عن سياسات الولاية أو الدولة- لا يهم- في هذا الجانب، وكانت صدمتي أشد عندما توجهت يوم أمس إلى مستشفى الدكتور جعفر أبنعوف للأطفال في الخرطوم للقاء البروفيسور جعفر أبن عوف رئيس مجلس إدارة المستشفى الذي ظل على رأس المجلس رغم حل المجلس وعدم وجوده حالياً، وقد وجدته يترأس اجتماعاً لعدد من الأطباء والطبيبات الاختصاصيين في طب الأطفال بفروعه المختلفة، وقد كان قرار السيد الوالي هو محور الحديث والنقاش، ولم أر في حياتي اجماعاً على رفض قرار مثلما وجدت إجماع هؤلاء الاختصاصيين على رفض قرار السيد الوالي، مع كامل احترامنا لقرارات السيد الوالي، ومع كامل إحترامنا لوزارة الصحة الولائية، إلا أننا نطالب الوالي- ولا نستجديه- أن يجتمع بالمختصين قبل أن يتم الشروع فعلياً في اتخاذ القرار، وألا يسمع بأذن واحدة وألا يرى بعين واحدة، وأن يستمع إلى الأطباء والطبيبات داخل مستشفى جعفر أبن عوف للأطفال، خاصة في ما يتعلق بأمر «تجفيف» المستشفى لأن الشارع يتساءل بصوت مسموع: لماذا هذا المستشفى بالتحديد وكيف لوالٍ أو مسؤول أن يذكر مستشفى دون غيره من مستشفيات عديدة في ولايته !!؟. سيدي الوالي لم يفت الوقت بعد، اجتمع بهم، وتراجع عن القرار، وليس في ذلك عيب.