أرجو أن يفلت هذا العنوان من تصويبات مدققنا اللغوي الحاذق الذي قد يغلّب المعنى الشائع للمثل الشرود ربّ منحة في طي محنة , لكنه سيعذرني قطعاً إن أدرك معي أن سياق الأحداث الذي بات معكوساً في زماننا المتخم بالغرائب أصبح لا يتوانى في قلب منظومة التفكير والتعبير رأساً على عقب متى ما سنحت له سانحة،وما أرمي إليه من وراء هذا العنوان هو الإشارة إلى ظاهرة غريبة في سلوك بعض الإسلاميين المتأخرين الذين آثروا مقابلة إرسالهم إلى مناجم المعرفة وأدغال العلم في جامعات بريطانيا وفرنسا وألمانيا بنقض عرى الولاء القديم والإنقضاض على روابط الفكرة ورواسب الانتماء , قد يتفاجأ المرء ليس لكثافة النماذج التي يجدها في باب من أُرْسِل إلى منحة فأضحى محنة فقد أُحصي أكثر من خمسة أفراد تنكروا لتنظيمهم عقب حصولهم على منحة دراسات عليا في جامعات أوروبا الغربية وعقب فراغهم من إنجاز رسالة ماجستير أو دكتوراة،بعضهم من تمرّد على من إبتعثوه إلى ألمانيا، ومنحوه نحو خمسين مليوناً لإنجاز دراسة في طب المجتمع، فإذا به يؤسس حركة مسلحة تجلى أعلى مراتب فعلها ضد الدَّولة أن اجتاحت عاصمة البلاد ضحى، وبعضهم من إلتحق بجماعة متمردة بعد أن كان مقيماً بدور إحدى سفاراتنا ومحتمياً بمدفئها من صقيع أوروبا، فإذا به يقود حملات الإعلام المضاد لدولة كان أحد حماتها وكماتها في سوح الوغى، وميادين القتال , وبعضهم، وبعضهم، وأخيراً وليس آخراً شاب سمهري في سمار السمسم يُدَّعى عبد الغني إدريس عمل بقطاع المعلومات، وأسس مركز الخدمات الصحفية (Smc) وظل قريباً من دوائر الكبار، وأحد المطلعين على دقائق الأسرار ولإتسامه بتميزه الواضح بين أقرانه ومجاييله أُعطي إستحقاقاً منحة في بريطانيا لم يكتف بإنجازها ولكنه وهو المعروف بدقة السَّرد وبراعة الوصف !! مضى لتوظيف إمكاناته وأدواته الأصيلة والمكتسبة في تصنيف كتاب سارت به ركبان الإسلاميين بوجه عام، والشباب منهم على وجه الخصوص، فصار حديث مجالسهم الخاصة ولأنني لم أقرأه إلا من خلال أعين الناس، و ما حملته مواقع الأسافير من تلخيص مبتور ومجتزأ فإنني أُرجيء نقده إلى حين الإمساك بنسخة منه، ولذا أستأنس بما سطره عبد الوهاب الأفندي الذي سبق إدريس إلى سنّ سنة ممارسة النَّقد على الأوراق عوضاً عن ممارسته داخل أُطُر التنظيم وأروقته المتعرجة، ربما لأن شرايين الشُّورى أصابها حالة إنسداد حالَ دون إنسياب الرؤى بكل سلاسةٍ ويسر، وهو ما جعل كثير من الثقاة يلوذون إما بالصَّمت الجهير وإما بالنقد المغلّف بالرمز والملطّف بإلتماس المعاذير واتقاء المحاذير وإما بالنقد الصريح الذي يطعن في الأفيال، ولا يطعن في الظلال، كما يفعل كثير من المأخوذين عن حقيقة الخبر بتمويه العبارة،وحين يحتفي الأفندي بهذا المصنف المثير ويرى فيه «مانفستو» لكيان جديد رهن التشكل فهو يلامس خيارات الشباب التي تتراوح بين إصلاح جذري في بنية التنظيم ورؤاه، وإعادة توزيع القوى، وإدارة شبكات المصالح بصورة أرشد، أو تكوين إطار تنظيمي جديد يجسّد الأفكار في مبادرات وأفعال تنهض بالحال وتستشرف مآلاً أفضل،وما لم يتم ذلك على وجه السرعة فسنفاجأ كل حين بكتاب جديد ينشر ما اتسخ على حبال الإعلام وحبائله .