وصلتُ إلى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا مساء الأحد الأول من أمس، وقد توفرت لديّ معلومات أفادت بأن القمة بين الرئيسين المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس جمهورية السودان والفريق سلفاكير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان قد تأجلت إلى اليوم التالي (أمس)، فمنيت نفسي بأن أكون أحد شهود الحدث الكبير الذي ينتظره أبناء الشعب السوداني في كل من السودان وجنوب السودان، وينتظره معهم العالم أجمع، لأن أي اتفاق بين الخرطوموجوبا في الوقت الحالي لا يقل أهمية عن توقيع اتفاقية السلام الشامل الموقعة بين حكومة الخرطوم وبين الحركة الشعبية في نيروبي عام 2005م، وقد كنت أحد شهودها، بل وأحد الذين تابعوا الخطوات التي أدت لها طوال عام كامل تقريباً منذ أن تم التوقيع على بروتوكول الترتيبات الأمنية في يناير من العام 2004م. والحدث المرتقب نفسه لا يقل أهمية عن مشاركة الحركة الشعبية في السلطة طوال الفترة الانتقالية ولا يقل أهمية عن إجراء الاستفتاء على انفصال جنوب السودان كواحد من الاستحقاقات الدستورية، واستحقاقات اتفاقية السلام التي بدت للكثيرين كأنما لم تكن محكمة التنفيذ لما خلفه الانفصال من قضايا عالقة ظلت محل شد وجذب بين البلدين أوصلهما إلى حد الاقتتال في أبريل الماضي بعد اعتداء جنود جيش الحركة الشعبية على «هجليج» التي سرعان ما أخرجهم الجيش السوداني منها بعد أن الحق بهم هزيمة ساحقة دفعت بالقيادة السياسية في «جوبا» إلى التصرف الأهوج الذي أضر بأهل الجنوب قبل أن يضر بالسلطة الحاكمة هناكو ونعني بذلك إغلاق أنبوب النفط الذي جاء شراً وبيلاً على دولة جنوب السودان أوشك أن يقضي عليها تماماً ويطيح بقياداتها المتعنتة التي لم ترَ أبعد من تحت قدميها. قضيت نصف يوم أمس في مبنى ومقر الأممالمتحدة للمؤتمرات، حيث إن زيارتي لأديس أبابا تجيء بدعوة من الاتحاد الأفريقي واللجنة الأفريقية بالأممالمتحدة للمشاركة ضمن عدد من الصحفيين الأفارقة في ملتقى التجارة الثاني، أما بقية اليوم فقد قضيناه داخل قاعات فندق الشيراتون حيث التقى الرئيسان البشير وسلفا وحيث ظل أعضاء الوفدين ينظرون لما سيسفر عنه لقاء الرئيسين وقد كان التفاؤل هو سيد الموقف هناك. قابلت عدداً من أعضاء الوفدين وكل الزملاء الصحفيين الذين جاءوا للتغطية، وقد تحول فندق شيراتون أديس أبابا لما يشبه المنطقة السودانية- الخالية من السلاح- وعج بممثلي الدولتين، وكان أبرز ما يلفت الأنظار ذلك اللقاء الذي جمع بين مولانا أحمد محمد هارون والي ولاية جنوب كردفان، والأستاذ ياسر عرمان وقد حرص الاثنان على أن لا يتسرب شيء مما دار بينهما إلى الإعلام، وحرصا على الطلب الرقيق من الصحفيين بألا يتم التقاط صور لهما. أكثر الصحفيين تفاؤلاً بالاتفاق هو زميلنا الأستاذ النور أحمد النور رئيس تحرير صحيفة «الصحافة» الغراء، بينما كان الزميلان الأستاذ ضياء الدين بلال رئيس تحرير صحيفة «السوداني» الغراء، والأستاذ محمد عبدالقادر نائب رئيس تحرير صحيفة «الرأي العام» الغراء متحفظين بعض الشيء وربما أكون أكثر الناس قناعة بأن أي اتفاق مهما حسنت فيه النوايا، وتوفرت فيه الثقة. لن يعمّر كثيراً، فدولة الجنوب الآن مضطرة للتوقيع على سلام جديد بسبب الضغوط الخارجية والداخلية، لكنها حسب قراءاتي الخاصة ستعاود للعدوان في أقرب فرصة.