الصديق الحبيب جداً معتصم فضل.. الصديق الحبيب أبداً.. عبد العظيم عوض.. أشواقي لكما لم تفتر.. لمجالسكما العامرة.. لأرواحكما الطيبة.. ولا أظني في حاجة.. لتأكيد احترامي وتقديري لكما.. بكل فيوض من حروف.. وأمطار من كلمات.. واليوم أرجو أن يتسع صدر كل منكما.. لعتاب يصل حدود الغضب.. ولكنه لن يصل مطلقاً.. عتاب ذاك الإعرابي «الخشن» الطباع.. البدوي الخصال.. الصحراوي المقال.. وهو يخاطب «الملك».. قائلاً.. إذا الملك الجبار صعّرخده مشينا إليه بالسيوف نعاتبه. اليوم أتحدث عن الإذاعة.. ذاك الصرح العظيم.. أو الذي كان عظيماً.. قد يكون حديثي.. مكتوباً بأطراف أسنة وخناجر.. أو بلهب جمر وأعواد مشاعل.. لأني أتحدث عن الإذاعة تلك التي أحملها كالحب.. كالحب.. فأنا احبكما جداً.. ولكني أحب الإذاعة أكثر.. فقط لأنها من صاغت وجدان الأمة.. ونسجت ديباجة الوطن البديع والتي هي عصية على التشظي و«التقطيع».. ثم لماذا أكتب لكما تحديداً.. «بسيطة» فقط لأنكما من ركائز الإذاعة الصلبة الصامدة الفولاذية.. ولأنكما من الذين وكأنهم قد «ولدوا» في ذاك الحوش البديع- حوش الإذاعة- لأنكما من أنفق أنضر أيامه وأبهى سنين عمره وهو يرسم بألوان الطيف قوس قزح.. لوحات باهرة الضياء.. شديدة البهاء.. على صفحة الأثير وظل على الدوام ينثر أزهاراً رائعة على وجه الإذاعة الذي كان بديعاً وأنيقاً.. والآن إلى العتاب.. وفي الذاكرة تلك الحروف النازفة.. والكلمات الراعفة بل الراعدة التي أمطرت بها الصديق عبد العظيم عوض.. وذلك عندما اجتاز خطاً أحمر من خطوط هذا الشعب المدهش النبيل.. وهو يستضيف الدكتور إسماعيل الحاج موسى و «ما صدق» الدكتور إسماعيل.. فقد نثر قصائد من «كلام غزل» في مايو.. تحدث الرجل من «جوه» استديو الإذاعة وهو يرسل باقات من الزهر و«بواكي» الزنابق إلى «مايو» المقبورة.. وكأنها حية تسعى بين الناس.. عندها اجتاحتني غضبة مضرية وأنا أرى أن الإذاعة قد سخرت من الانتفاضة.. وسخرت من الشعب الذي أرسل مايو إلى مقابر أحمد شرفي والصحافة والبكري.. ثم شعرت بغصة تطعن في الحلق.. والإذاعة.. تدير في استفزاز شديد أسطوانة «يا مايو حبيب.. زي أمي وأبوي.. زي أختي وأخوي».. نعم.. حدث هذا.. وكتبت من تجاويف صدور الذين دحروا مايو.. و«لملمت» من الفضاء كل هتافات الثوار.. ما كتبت.. وللحق وللإنصاف فقد قابل الدكتور عبد العظيم عوض.. كلماتي بهدوء.. وأخلاق فرسان عالية.. واليوم.. أكتب أيضاً من محبرة النزيف ما أراه عجيباً وغريباً ولا يشبه الإذاعة تماماً.. وقبل إيراد النماذج وإيراد الأمثلة التي تطعن في قومية الإذاعة مشفوعة بالسؤال.. هل هي لكل شعب السودان من أي جنس.. من أي لون.. من أي ضرب.. من أي طائفة.. من أي دين أم هي ملك مشاع.. ل«ناس محددين» ولحزب محدد؟ سألت مرة السيدة رباح الصادق المهدي.. سألت في مرارة سؤالاً جلجل في الفضاء.. وزلزل قناعات النفوس.. سألت إذاعة من هذه؟ كانت الأستاذة رباح.. تشير إلى أن هذه الإذاعة أصبحت ملكاً بوضع اليد.. أو بالقوة الجبرية.. أو بالتسجيل في «الأراضي» أصبحت ناطقة باسم الأحبة في المؤتمر الوطني.. وليس الحكومة فحسب.. وليتها كانت الحكومة فقط.. عندها يهون الأمر.. لتصبح مثلها مثل إذاعات بعض الدول العربية وقبل إعصار وهوج رياح الربيع العربي.. «يعني» مثلاً.. كانت الإذاعة في عهد البعث في العراق.. هي إذاعة صدام.. وكانت وما زالت الإذاعة في سوريا هي إذاعة حافظ.. مثلما كانت الإذاعة قبل ثورة يناير المصرية هي إذاعة «مبارك» والأمثلة أكثر من عدد حبات رمال كلهاري.. وبكرة نواصل