في البدايات الأولى للاذاعة السودانية انطلاقاً من مباني بوستة أم درمان، كان كبار الفنانين من الرعيل الأول، يقدمون أعمالهم في شكل حفلات غنائية تبث حية ومباشرة، للمستمعين، كما درج هؤلاء العمالقة على إلحاق الأغنية الرئيسة بأغنية خفيفة اسمها «الكسرة»، وبرع في ذلك وإشتهر به، أمير العود حسن عطية والنقيب أحمد المصطفى وآخرون. جرياً على هذا النسق، ولتخفيف حدة وجفاف المادة التي نتناولها في هذا العمود اسبوعياً، استأذن القرأ اليوم، في تقديم «كسرات» متنوعة وفي مواضيع متفرقة، لكن يجمعها ويربطها معاً، قاسم مشترك هو رؤية قانونية، ووجهة نظر مهنية في كل واحدة منها. قرارات الرئيس مرسي إشتعل الشارع السياسي في مصر الأسابيع الماضية، وإنقسمت القوى السياسية بين مؤيد ومعارض للإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المصري، والذي قضى فيما قضى، بتحصين قراراته الرئاسية من الطعن القضائي، وذلك ريثما يصدر الدستور المرتقب عقب إجازته بإستفتاء شعبي يشارك فيه كل المواطنين. مسألة تحصين القرارات والتدابير الإدارية أو التنفيذية، التي تصدر من الحكومة، أو من الوزراء، أوحتى الأحكام التي تصدر من لجان ومجالس خاصة «Tribunals» تتمتع بصلاحيات شبه قضائية، ليست بالمسألة الجديدة، ولقد قتلت بحثاً في كتب ومؤلفات القانون الدستوري والإداري، كما تعرضت لها المحاكم العليا في الكثير من البلدان بما في ذلك السودان. الهدف قد يكون تقصير أمد النزاع، أو لإضفاء صفة النهائية على بعض القرارات، كما قد يكون تذرعاً بما يعرف بأعمال السيادة، أو لإطلاق أيدي إدارة الدولة في المضي قدماً في تحقيق ما تراه مصلحة عامة، دون أن تعطل هذه المساعي بطعون وإعتراضات قانونية، يطول بها العهد، وتهزم الغايات المرجوة، والمقاصد المبتغاة. ومن الأمثلة الشهيرة عندنا في هذا الصدد، تحصين قرارات الإحالة للصالح العام في بداية عهد ثورة الإنقاذ الوطني، من الطعن والرقابة القضائية، وكذلك ما نص عليه في قانون القضاء الاداري لسنة 2007م الحالي من عدم جواز الطعن في أعمال السيادة، التي يقوم بها رئيس الجمهورية، مثل تعيين الوزراء، واختيار السفراء، ومنح الأوسمة والنياشين وغيرها، ولدينا ايضاً سوابق قضائية عديدة. حول مشروعية تحصين قرارات لجنة استئنافات العاملين السابقة (ديوان العدالة الآن)، وكذلك قرارات الإخلاء الإجباري تحت قانون إخلاء المباني العامة لسنة 1969م، ويمكن أن نضيف إليها نهائية نتائج الانتخابات العامة بعد إعلانها بوساطة المفوضية القومية للانتخابات. القول الفصل في قضية تحصين القرارات، والذي شكل عقيدة راسخة للقضاء السوداني، وتدعمه آراء فقهاء كبار مثل الدكتور الطمّاوي، هو أنه في غير حالات السيادة التي أشرا اليها، لا يجوز حجب الرقابة القضائية عن أي قرار إداري، أو نص تشريعي مهما كان. وذلك لسبب بسيط هو أن الحصانة تعني منح رخصة مفتوحة للخروج عن المشروعية، وبالتالي مخالفة الدستور والقانون، فضلاً عن أن حظر حق الطعن يؤدي إلى مصادرة حق أصيل وأساسي وهو حق التقاضي، وحرمان السلطة القضائية من ممارسة ولايتها القضائية. ولو كنت مكان المحكمة الدستورية المصرية، والتي تحولت إلى أداة سياسية، لامتنعت عن الخوض في الجدل حول شرعية الاعلان الدستوري، ولانتظرت حتى يصل طعن في اجراءات الرئيس للمحكمة، ومن ثمّ بعد ذلك اتعامل مع الطعن من منطلق مهني بحت وفي حينه. القبض على الفنان محمود عبد العزيز انشغل الوسط الفني، وكذلك القانوني، في الاسبوع الماضي، بما تناقلته الصحف حول إعتقال الفنان محمود وترحيله لمدينة مدني، وحبسه أياماً ثلاثة، بعد أن وجهت له نيابة الجزيرة تهماً تحت القانون الجنائي من ضمنها السرقة والإزعاج وربما الإتلاف. والثابت أن المطرب المذكور، قد تخلف عن حفل تعاقد على إحيائه بمسرح الجزيرة، مما دفع الجمهور الغاضب و«المدلل» إلى تحطيم المسرح والحاق اضراراً جسيمة به. ومما لا شك فيه أن لا كبير على القانون، وأن المطرب محمود، يخضع كغيره من المواطنين للتدابير الجنائية أو المدنية، وعليه في حالة اثبات مخالفته للقانون تحمل تبعات ذلك. بيد أن الأمر الذي يثير التساؤل ويبعث على الحيرة، هو مسألة التكييف القانوني لما أتاه المطرب محمود، والذي إن أفلحت السلطات في إثبات علاقة السببية بين سلوكه والأضرار التي حدثت للمسرح، فلا يعدو أن يكون إخلالاً بالتزامات تعاقديه، أو مسؤولية تقصيرية، وكلاهما يقع في دائرة الدعاوى المدنية لا الجنائية، إلا اذا كان للنيابة أدلة على قصد جنائي أو تعمد لاحداث الضرر، ولسنا بحاجة للإشارة إلى أن القانون السوداني، وكذلك الدولي، ممثلاً في المادة الحادية عشر من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1976م، والذي انضم إليه السودان ويعتبر جزء من وثيقة الحقوق بالدستور الانتقالي لسنة 2005م الحالي، هذا النص يحظر سجن أو حبس أي شخص بسبب اخلاله بالتزامات تعاقدية، وذلك تأسيساً على انتفاء الركن المعنوي الخاص بالقصد الجنائي. لصوص المدينة من الظواهر المقلقة، والتي أضحت تؤرق مضاجع المواطنين بالعاصمة القومية، إنفلات حبل الأمن وكثرة السرقات الليلية والنهارية، ولقد شهد الحي الذي أسكنه خلال الأشهر الأخيرة، العديد من حوادث السطو والكسر المنزلي، دون الإمساك بالجناة أو ارجاع المسروقات. وليس القصد من هذه التذكرة الانتقاص من جهود الشرطة وتفانيها في أداء واجباتها، لكن يبدو أن الأمر يتعلق بالامكانيات المادية والبشرية، ومحدودية الآليات والمعدات. الشعور بعدم الأمن دفع الكثيرين إلى التفكير جدياً في طريق لحماية أسرهم وممتلكاتهم، ولقد سألني البعض عن قانونية عمل أسوار مكهربة لدفع غائلة زوار الفجر، قلت لهم إن الأمر يحتاج إلى نظر لخطورته، وربما تكون للهيئة المركزية للكهرباء نظم ولوائح في هذا الشأن، والأسئلة التي تدور في هذا الإطار، تتلخص في المسؤولية الجنائية لصاحب المنزل عن وفاة أو اصابة لص تتسلل إلى المنزل ليلاً وصعقه التيار الكهربائي الموصل إلى الأسوار، ولا شك أن سلوك اللص يدخل في خانة التعدي الجنائي، فهل يعتبر صاحب المنزل ممارساً لحق الدفاع عن النفس والممتلكات، وهل الضرر الذي يحدثه التيار الكهربائي يختلف عن الذي يحدثه كلب حراسة انشب اظفاره وانيابه في جسد لص اثيم، تسلل في هدأة الليل وسعى إلى ترويع الآمنين وسرقة ممتلكاتهم؟