ونسأل في جرأة .. نتمنى أن تكون الإجابة أسطع من أشعة شمس الظهيرة في الاستواء.. نسأل.. ماذا يعني الأول من يناير وتحديداً.. أول دقيقة بعد التصاق ليل (31) ديسمبر من كل عام.. هل يطوف بالذهن مجرد خيال أو شبح لمحة من طيف الاستقلال.. أم تحتشد سماء الوطن.. أو قل عواصم وحواضر الوطن وتحديداً عاصمة الوطن الخرطوم.. تحتشد السماء بالأنوار والألوان.. والفرح الخرافي.. والانفلات البهيج.. ومصابيح الأرض ونجوم السماء تعلن أن هذا اليوم فينا يوم عيد.. وأي عيد.. عيد رأس السنة.. ويتقافز السؤال.. الذي يدوي في الأفق.. (مروِّس وين).. ولا ذكر ولا همسة في الخاطر.. للاستقلال الحزين.. ويصبح الصبح.. ورغم إنه لا السجن ولا السجان باقٍ.. يتعطل دولاب الدولة.. وكل الناس في الأسرة ينام.. والإذاعة.. وكأنها ( تخجل) من هذه المناسبة ثم (تستحي) وتدير الإسطونة التي هي الطعم الباقي الوحيد من الاستقلال و(اليوم نرفع راية استقلالنا).. لماذا هذا.. ولماذا أصبح هكذا الوطن.. بل أين هو الاستقلال.. بل أين هو حتى الوطن.. ويدوي السؤال مجلجلاً.. ماهو الوطن؟.. وتتراقص الأسئلة وهي تزحم الفضاء.. لماذا استقلالنا باهتاً.. كسيراً وحزيناً.. هل لأن ثمنه كان بائساً وفقيراً.. وهل لأنه جاء عبر مناضد التفاوض وأرواق المذكرات.. وملفات التفاهمات.. وليس عبر مواسير البنادق.. وتبحر الأسئلة في البحر الغريق.. وتنهض أسئلة هي كما الصفعات أشبه.. هل كان العهد الإنجليزي الاستعماري أكثر رحمة.. وأشمل عدلاً.. وأعمق إنسانية وأعرق ديمقراطية من كل أبناء بلادي.. وتتناسل الأسئلة.. لتلد دانات وقنابل.. هل كان العهد الانجليزي الاستعماري أكثر احتراماً للمواطن من كل أبنائه الذين توهطوا في (كراسي) غادرها أبناء إمبراطورية غربت شمسها في (الورق) فقط؟.. وهل لأن هؤلاء الانجليز قد شيدوا من القلاع ما لا تملكه كل دول الجوار وحتى خلف المحيط.. وهل ينكر مكابر أن هؤلاء الخواجات قد تركوا السودان.. وبه أعظم وأضخم مشروع زراعي يروى بالري الدائم في عموم بلاد الشرق الأوسط وكل أفريقيا.. وجزء غالب من قارة آسيا.. وهل لأنهم تركوا سكة حديد تعمل في دقة الساعات السويسرية الهائلة التصنيع.. وهل لأنهم تركوا خدمة مدنية منقولة بالمسطرة من عواصم أوروبا تلك التي شوارعها مغسولة بالجليد.. وهل لأنهم تركوا شعباً يأكل في اطمئنان ثلاث وجبات يومياً، ولم تشغله ولم تفزعه لحظة من خوف ودفقة من هلع ركضاً وراء لقمة عيش.. وهل يحن الناس إلى ذاك العهد (البغيض).. أم يتلفت ويقارن.. بين بشاعة وبشاعة.. بين ظلم وظلم.. بين جحيم وجحيم.. بين انتهاك وانتهاك.. ألم أقل إنها أسئلة مشتعلة بجمر الجحيم؟.. قطعاً وطبعاً ويقيناً.. سوف (ينط) و(يشب) في حلقي جمع من الزاعقين والذين أوهموا أنفسهم بأنهم وحدهم من يملكون صكوك التخوين وحشد من مفردات السباب، وسيل من الشتائم الذي يبدأ بالعمالة والارتزاق والحنين إلى الاستعمار.. هؤلاء.. لا أعيرهم لفتة ولا أهتم بهم لمحة.. ورغم أن (العارف عز مستريح) إلا إني وقبل الإبحار في بحر عالي وهادر الأمواج.. ورداً على من يسألني.. أقول.. أما أنا.. سأظل وحدي صامداً.. وسط الخراب ولن تلين قناتي.. وطني الذي يوماً جُننت بحبه.. مازال حلمي.. قصتي مأساتي.. قد عشت أحلم أن أموت بأرضه وآخر ما طوت صفحاتي.. إني أراه يطل من عليائه.. مثل الجبال الشم في النكبات.. فإذا توارى الوجه عودوا واسمعوا.. في كل فاجعة صدى كلماتي.. ولتذكروني كلما لاحت لكم.. في ظلمة الوطن الحزين حياتي.. هذا أنا.. ولأنا.. بقية بكرة نتلاقى..