مشكلتان أساسيتان تطحنان كثيرًا من دول العالم الثالث أو النامي أيا كانت التسمية.. وتعيقانها عن النهضة والنمو والتقدم .. فمنذ انتهاء الحقبة الاستعمارية والصراع حول السلطة و توزيع الثروة ينهكان هذه الدول .. ان ما يؤجج هذه المشاكل غياب مفاهيم و قيم ومبادئ التعايش السلمي بين سكان هذه البلاد .. ان هذه الصراعات حتمية وهي جزء لا يتجزأ من تطور المجتمعات الإنسانية .. مرحلة لا يمكن تخطيها بل يمكن التقليل من أمد صراعاتها بالإستهداء بالتجارب الانسانية التي تراكمت عبر العصور..ان الاستقرار والرفاهية التي تعيشها مجتمعات الدول المتقدمة انما هي نتاج ادراكهم المبكر بعد صراعات طويلة لضرورة التعايش السلمي، والتعاون كأساس للعيش بكرامة، وتحقيق التقدم والنمو والنهوض بالأوطان.. تواضعت الامم على تبني دساتير كعقود لتنظيم حياتهم داخل أوطانهم، والتعايش السلمي بينهم .. ما أن انطلقت الدعوة لمشروع صياغة دستور جديد حتى اعتلى السياسيون و القانونيون المنابر والأغلبية الصامتة صاحبة الشأن والمصدر الرئيسي للشرعية والسلطات لا أحد يدعوها للحوار حول الأمر الذي جعل شورى بين الناس.. بل أسوأ من ذلك لا نظن أن أحدًا قد فكر في كيفية دعوتهم، وإشراكهم .. وكعادتهم يفرضون وصايتهم .. ويغرقون في الانصراف عن المسائل الجوهرية ..فبعضهم يرفض المشاركة .. وبعض آخر يضع شروطاً و بعض يهدد برفض أي دستور لا يتفق مع ما يريد .. وهذه بداية غير مبشرة .. وهذا ليس أول دستور ولن يكون آخرها.. ستة من الدساتير في تسعة وستين عاماً والصراعات القائمة حول السلطة تتجدد، وتنتج أخرى جديدة .. ودستور واحد في بلد يزيد عدد سكانه عن كامل سكان القارة الأفريقية بمائتي مليون نسمة، ويضم أكثر من سبعمائة مجموعة عرقية ذت أديان وطوائف دينية لا تحصى، بلغ عمره الآن اثنان وسبعون عاماً.. ذلكم هو الدستور الهندي.. لحق بالدستور الهندي أربعة وتسعون تعديلاً منذ ان شرع في تطبيقه عام 1950م..و نرى في ذلك محمدة أكثر منها مذمة.. ولذلك دلالتان: اولاهما أنه صِيغ بطريقة مرنة تسهل تعديله لمصلحة الجميع.. وثانيهما الإستعداد المسبق للشعب الهندي للتنازل والاتفاق والتراضي..فالهند اليوم مارد يكبر بمتوالية هندسية إلى قوة يحسب حسابها إقليمياً ودولياً .. ونرى ضمن ما نرى إن مرد ذلك لأمر أساسي.. فلقد بنوا دستورهم على أربعة مبادئ أساسية تضمن بناء دولة مدنية ينعم فيها الإنسان بالعيش الكريم ضمنوها في ديباجة دستورهم: - العدالة الإجتماعية و الإقتصادية والسياسية. - حرية الإعتقاد والعبادة والتفكير وحرية التعبير. - المساواة في الحقوق والفرص. - والحفاظ على أواصر الإخوة في الوطن لضمان كرامة الإنسان ووحدة الأمة. في يقيننا إن دستورًا يؤسس على مثل هذه المباديء سيحول الصراع على السلطة و الثروة إلى تنافس عليها .. وشتان ما بين التنافس و الصراع .. هذا لب الأمر و ما عداه نراه إنصرافاً، ان الحديث عن الدولة المدنية حيث يمكن المحفاظة على الإستقرار و العدل و كرامة الانسان، و تحقيق النمو و التقدم والرفاهية و الرخاء و المنعة والقوة و اعلاء قيم الدين، يثير حفيظة البعض ممن يجيدون دفن الرؤؤس في الرمال والتكفير.. لا نرى تناقضاً بين الدولة المدنية .. دعونا نستعرض الفكرة التالية علنا نستلهم منها حلاً.. يفيد إرثنا الإجتماعي بأن «بيت العزابة» ينشأ عندما يلتقي عدد من الناس تجمع بينهم عوامل مشتركة من بينها ضرورة إيجاد مأوى لهم.. تحكمهم الضرورة بإيجاد من يتقاسم معهم المسكن .. ومن أهم ضمانات إستمرار الحفاظ على المأوى ضرورة المحافظة على مبادئ التعايش السلمي داخل البيت و مع الجيران.. يبدأ الأمر بانعقاد مؤتمر تأسيسي يتم الإتفاق والتراضي فيه على المباديء الأساسية لتنظيم حياتهم داخل البيت كتحديد الواجبات والحقوق ونظام الإدارة وتقاسم النفقات..الخ..كما يتضمن الإتفاق القوانين التي تضبط الحياة داخل البيت مثل منع تناول المشروبات الكحولية داخله واستخدام المخدرات، ولعب الميسر، وممارسة الرذيلة، حفاظاً على حسن الجوار .. كانت تلك هي القاعدة ولبعض القواعد إستثناءات..هذا الإجتماع التأسيسي أشبه بمؤتمر دستوري كالذي بح به صوت السيد/ الصادق المهدي والكل يصم آذانه .. مظلوم هذا الرجل .. فلقد لاحظنا ولأمد طويل أن كل ما يصدر منه من رأي أو نصح مفيدًا كان أم غير مفيد!! لا يجد ترحيباً من الآخرين .. وهذا الأمر ليس من شأننا في هذا المقام .. إلا أننا نقول إن دعوته لعقد مؤتمر دستوري، والتراضي على مبادىء أساسية قبل صياغة الدستور صحيحة وقائمة حتى تجد آذاناً صاغية.. و نرى أنه من الخير الإهتداء بها قبل ضحى الغد !! فهي إن لم تفد لن تضر..إن في إرث «العزابة» والشعب الهندي أسوة حسنة..