عندما بدأت كتابة سلسلة مقالات «ما بعد مؤتمر صناعة المستقبل» في صحيفة «الأحداث» (توقفت عن الصدور).. لم يدر بخلدي أن انعقاد المؤتمر القومي للتعليم (فبراير 2012م).. قد تأخر لمدة تزيد عن الخمس سنوات.. وذلك لأن الدولة سبق أن قررت تنظيم ما أسمته «جهد قومي وولائي» حول التعليم من خلال قرار مجلس الوزراء رقم (576) لسنة 2005م والخاص بإجازة خطط وزارات قطاع الخدمات.. وفيما يتعلق بالتعليم نص ذلك القرار على الآتي: «تعمل وزارتا التعليم العالي والبحث العلمي مع الوزارات ذات الصلة على تنظيم جهد قومي وولائي من أجل إيجاد معالجات جذرية لقضايا التعليم في مستواه العام والعالي من حيث بيئة العمل والمناهج والتمويل ومعالجة قضايا المعلمين». وشمل القرار توجيه مجلس الوزراء لوزارات قطاع الخدمات والمالية وحكومات الولايات والجهات المعنية الأخرى اتخاذ إجراءات تنفيذ القرار. ولعلم القاريء الكريم صدر القرار رقم (576) في ديسمبر 2005م.. أي بعد عام تقريباً من توقيع اتفاقية السلام الشامل التي قادت إلى انفصال الجنوب وقيام دولته (يوليو 2011م) وما تبعها من حرب الجنوب الجديد (النيل الأزرق) وجنوب كردفان واستمرار حرب دارفور.. هذا مع مواصلة الاعتماد شبه الكامل على النفط في التعامل التجاري والمالي مع العالم.. وفي توفير العملات الأجنبية للبلاد ثم انقطاع ذلك حينما حدثت القطيعة بين البلدين في المجال. وغيرت تلك الأحداث وجه السودان وساهمت كثيراً في تفاقم الأزمة المالية التي تمر بها البلاد حتى الآن. بناء عليه نبقى مع مسألة تأخير انعقاد المؤتمر القومي للتعليم.. ودون الدخول في التفاصيل والأسباب ترى أن التأخير ترتب عليه الكثير أهمها صعوبة توفير الموارد المالية المطلوبة.. (انتظرنا حوالي العام) لتنفيذ مخرجات المؤتمر.. و«الحال يغني عن السؤال».. فحكومتنا قدمت ميزانية 2013م في إطار «البرنامج الثلاثي لاستدامة الاستقرار الاقتصادي 2012- 2014م» الصادر في عام 2010م.. وسياسات وإجراءات مالية لم تعهدها البلاد مكتملة الحدود منذ 30 يونيو 1989م.. لدرجة فرض ضريبة على السيارات جاءت «بدل فاقد» لضريبة غير دستورية مرت على الجميع عبر مراحل إعداد مشروع الموازنة في وزارة المالية والاقتصاد الوطني.. وحين عرضها على مجلس الوزراء إلى أن وصلت للمجلس الوطني (البرلمان)!! على أية حال وبإعادة عقارب الساعة للوراء وبالتحديد ليوم صدور قرار مجلس الوزراء السابق ذكره.. ولنقل إن الإعداد للمؤتمر أخذ عاماً كاملاً.. عليه كان انعقاده سيتم في نهاية 2006م أو بداية عام 2007م والوضع الاقتصادي للبلاد لا يمكن مقارنته مع الوضع السائد حالياً.. فالبرنامج الثلاثي أمامنا وميزانية لا تعرف من أين تأتي بالموارد لرفع الحد الأدنى لأجور العمال مع تواضعها خلفنا وانسحاب النفط يلفنا.. وإضافة إلى ضربة اليرموك وقبلها التمرد الجديد وكل ذلك ساهم في تغيير وجه ميزانية العام 2013م بجعل الأولوية للأجهزة الأمنية والدفاعية نتيجة للظروف الأمنية التي تتعرض لها البلاد والاعتداءات المتكررة على السيادة الوطنية. ومع ذلك لابد من فتح نافذة للأمل ندلف من خلالها إلى مقترح يتلخص في الآتي: 1. صياغة التوصيات المجازة في شكل مشاريع قابلة للتنفيذ محددة الأهداف وذات برامج عملية وبميزانيات فعلية ومستدامة التمويل. 2. اختيار عدد محدد من تلك المشاريع تعنى بأهم القضايا التي تواجه البلاد في مجال التعليم ولنقل خمسة أو ستة مشاريع يبدأ التنفيذ فيها فوراً. 3. يكون إنشاء صندوق تطوير التعليم أول المشاريع التي ستنفذ ضماناً لتوفير الموارد لتمويل المشاريع الأخرى ذات الأولوية.. على أن تشرك الجهات التالية في تغذية الصندوق: أ. حكومة السودان وحكومات الولايات. ب. القطاع الخاص بما في ذلك قطاع الأعمال وقطاع المصارف والشركات إلى جانب منظمات المجتمع المدني المعنية بالأمر. ج. الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات والوكالات الدولية والإقليمية وحتى الشركات العالمية. ولمزيد من الإيضاح فيما يلي تصور مختصر لمشروع صندوق تطوير التعليم.. الرؤية: من أجل تعليم متطور بشقيه العام والعالي والارتقاء به إلى مصاف التعليم في الدول المتقدمة.. الرسالة: إدارة فاعلة وشفافة لتمويل التعليم وتقويم الأداء وضمان استدامة مشروعات التطوير في ضوء الإستراتيجية ربع القرنية وخططها الخمسية للتعليم.. الهدف الإستراتيجي: ضمان جودة التعليم ودعم كفاءته وفعاليته كماً ونوعاً وملاءمته لحاجات البلاد وللمنافسة العالمية. أما الهيكل التنظيمي للصندوق يتكون من: 1. اللجنة القومية للصندوق ويختار أعضاؤها من بين الاختصاصيين والخبراء وذوي الاهتمام.. 2. المدير التنفيذي للصندوق.. 3. عدد من الفرق المتخصصة مثل: فريق المتابعة والتقويم والفريق الإداري، وفريق تكنولوجيا المعلومات وفرق النشر والإعلان.. ويختار أعضاء تلك الفرق من قبل اللجنة القومية للصندوق على أن تعمل الفرق تحت المدير التنفيذي. وعلى منظومة التعليم في البلاد والصندوق المقترح التشجيع على الإبداع والابتكار فيهما.. كما يرى الكثيرون الخروج من الأزمات التي تمر بها مختلف دول العالم في الوقت الحالي.. الأمر الذي يتطلب تعليماً متطوراً وبحثاً علمياً متميزاً يتم الصرف عليهما «صرف من لا يخشى الفقر». أحمد عبد الرازق جامعة العلوم والتقانة- أم درمان