بعد النجاح الكبير الذي حققته فرنسا في استضافة فعاليات كأس العالم في أواخر القرن المنصرم، وكذلك نجاح جنوب أفريقيا في مطلع القرن الحالي باستضافة نفس الحدث، والمردودات الإيجابية التي حققتها الدولتان، إقتصادياً وإعلامياً، واجتماعياً، وسياسياً، أخذت كل بلدان العالم تتنافس من أجل استضافة السياحات الجماهيرية، كالبطولات الرياضية، والسباقات، والمهرجانات، والمؤتمرات والمعارض، وغيرها من الأحداث الجماهيرية التي تؤمها أعداد غفيرة من المشاهدين، بما في ذلك المشاركين، والمنظمين، والإعلاميين، وغيرهم إذ أن الحدث السياحي الجماهيري يجذب الكثيرين من عشاق الحدث، أو المشاركين فيه، وبالتالي تعود هذه الأحداث العامة بالمكاسب الاقتصادية، والإعلاميية، والاجتماعية على الدولة المضيفة، حيث ترتفع نسبة الأشغال في منشآت الإيواء، والمطاعم، والكافتيريات، ومراكز التسوق، والاتصالات والمعلومات، ووسائل النقل والمواصلات، كما ينتج من ذلك رواج اقتصادي يعم كل شيء، حيث تتضاعف حصيلة الضرائب والرسوم، وتزيد فرص الاستخدام، وتتحسن الأوضاع الإجتماعية، آخذين في الاعتبار أن صناعة السياحة تتصل بأكثر من 450 صناعة رئيسية وفرعية، بجانب الدور الذي يلعبه الحدث في مجال الدعاية المباشرة، والتعريف بنمو وتطور الدولة المضيفة، وخير شاهد على ذلك الصراع بين اليابان وكوريا الجنوبية حول استضافة كأس العالم، والمغرب ومصر وجنوب أفريقيا في نفس الشأن، وأخيراً قطر وبريطانيا والولاياتالمتحدة حول استضافة نفس البطولة. إن دولة مثل قطر وإمارة دبي استطاعتا أن تحقق عشرات المليارات من الدولارات من النشاط السياحي، وذلك باستضافة أحداث جماهيرية كالدورات، والمعسكرات الرياضية، والمؤتمرات، والسباقات والمهرجانات، والمعارض وغيرها، وصارت تنتهي من حدث لتستقبل حدثاً آخراً.. ورغم أن مساحة البلدين لا تتعدى مساحة بعض المدن الكبرى في السودان، ولكن الاهتمام بالنشاط السياحي، والتخطط السليم وتوفير التسهيلات والخدمات المميزة، والتنسيق بين كل الجهات، استطاعت هاتان الدولتان أن تحتلا مركزاً ووضعاً متقدماً في خارطة المقاصد السياحية الدولية. لقد دخل السودان ساحة العمل السياحي قبل أكثر من نصف قرن، وهو يزخر بموارد وامكانات سياحية كثيرة ومتنوعة، تلبي متطلبات الكثير من أنماط السياحة المختلفة؛ إلا أن العائد المادي من النشاط السياحي لا يساوي شيئاً كالذكر مقارنة بالدخل السياحي الذي حققته الدولتان المذكورتان! وصرنا نتباهى بأن السياحة السودانية حققت عام 2011م خمسمائة مليون، رغم أن معظم هذا الدخل يعود لانفاق المغتربين السودانيين أثناء إجازاتهم بالبلاد، وهذا ما تعكسه حقيقة احصائيات السواح الأجانب، وجنسياتهم، وعدد الليالي السياحية التي قضوها بالبلاد خلال العام المذكور أعلاه، وبالتالي ليس هذا هو الهدف من التنمية السياحية، أو الغاية من استغلال واستثمار الموارد والإمكانات السياحية التي تزخر بها البلاد، والتي يمكن أن تحقق عشرات المليارات في حالة التخطيط السليم، وتوفير الخدمات والتسهيلات، والقيام بالترويج الفاعل في الأسواق المصدرة لحركة السياحة الدولية، وانفاذ التنسيق بين كل الجهات الصلة بالتنمية السياحية على مستوى المركز والولايات. من هنا نأمل إعادة النظر في الخطط والاستراتيجيات والبرامج السياحية، وإيجاد الآليات التنسيقية التي تجمع الأجهزة السياحية الرسمية وفعاليات القطاع الخاص السياحي والاتحادات الرياضية، والمهنية، والفنية، والثقافية، ومنظمات المجتمع المدني العاملة في قطاع السياحة من أجل التفاكر والاهتمام بالسياحات الجماهيرية، والعمل على استضافة السودان لأحداثها المختلفة، آخذين في الاعتبار أن معينات العمل والنجاح من شبكة طرق، ومطارات، ووسائل مواصلات، ومنشآت إيواء، وملاعب وإستادات، وقاعات مؤتمرات، ومسارح، وقرى ومنتجعات سياحية، ومراكز تسوق، واتصالات ومعلومات، ومتاحف وغيرها، أصبحت منتشرة في أغلب ولايات البلاد، إضافة إلى أن السودان سوف يكون ميناء وصول ومغادرة عند انفاذ مشروع النقل البري السياحي، الذي تتبناه الأمانة الفنية للمجلس الوزاري العربي للسياحة بجامعة الدول العربية، وهو سوف يربط السياحة العربية في شمال القارة بالسياحة في منطقة شرق أفريقيا، وذلك عبر الطرق القارية الأربعة أرقين، وادي حلفا والسويس، وبورتسودان، والقضارف، القلابات وكسلا / تسني، ونأمل أيضاً الإسراع بتكوين مجالس تنمية السياحة في الولايات كخطوة تسبق تكوين المجلس الأعلى للسياحة على المستوى القومي، كآليات تنسيقية تضم وتجمع كل الجهات، وذلك من أجل تحقيق الأهداف والغابات المرجوة ومن عند الله التوفيق. خبير سياحي