على ضفاف «الأزرق» الجميل.. تعانقت زرقة النهر مع سمرة الوجوه النبيلة التي تنادت إلى قاعة الصداقة فاشتعلت القاعة ألقاً بنور تلك الوجوه التي اتحدت فيوضاتها بضوء الثريات التي تدلت من سقف القاعة كعناقيد من البلور والنور والسرور فترقرق على نواصي الحشد النبيل الذي ضاقت به القاعة.. مفكرون .. إعلاميون.. سياسيون ورهط كبير من كافة ألوان الطيف السياسي والاجتماعي جاءوا سمر الوجوه كحدائق القرنفل.. جاءوا ليستمعوا لفيض الأبجدية الطالعة من بين أوراق كتاب الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل.. «الربيع العربي.. ثورات لم تكتمل بعد».. وهل يخفى القمر والفتى المهدي قد شكل حضوراً شاهقاً ولافتاً.. جاء الفتى المهدي وجاء أهل الفكر والمعرفة.. عصام أحمد البشير رئيس مجمع الفقه الإسلامي.. وجاء المفكر الفخيم عبدالله علي إبراهيم.. جاءوا كخيول بعانخي التي لم ترهقها قترة ليقولوا كلمتهم في حضرة «ابن الرومي الجديد» وأعني بذلك الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل ابن بلدة «رومي البكري» التي تتكيء على ربوة الجمال في الشمال وكان هناك أغلى الرجال في مواسم الفكر والحق والجمال البروفيسور علي شمو الذي أدار الجلسة المحضورة بحكمته وثقافته المهولة. تحدث في بداية الجلسة الأستاذ السموأل خلف الله وكان السموأل قد أوزروه ورفعوه إلى شاهق ثم أنزلوه بسرعة الرياح التسونامية.. لماذا أوزروه ورفعوه؟.. الله أعلم!.. لماذا أنزلوه؟.. الله أعلم!.. ويا ويحي من بعض المتسلطين من بيض البطون إذ ما تدبروا في جنح الدجى شيئاً.. وبما أن الشيء بالشيء يذكر فقد ذاق «ابن الرومي الجديد» من نفس الكأس.. حملوه إلى شاهق وزيراً لخارجية الوطن القارة ثم أنزلوه في شكل هبوط طاريء على نجيل النادي الكاثوليكي أميناً للعلاقات الخارجية.. وحسناً فعلوا به ذلك.. إذ أصبح له متسع من الوقت لمغازلة الأبجدية.. فحمله بوح الغزل إلى الكتابة فكتب مؤلفه الشاهق الباهر «الربيع العربي.. ثورات لم تكتمل». عفواً يا سادتي.. عفواً يا سموأل وعفواً يا مصطفى فقد حملتنى أزهار «مشتل الزعل» بعيداً لأنني يا صحابي لست أرضى في السموأل ومصطفى أقل كلمة يمكن أن تشكل لقاحاً لأزهار «مشتل الزعل». قدم السموأل باسم دار أروقة للثقافة والفنون لكتاب الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل ثم عقب الإمام الصادق المهدي على الكتاب مشيراً إلى أنه قد سره اهتمام مؤلف الكتاب بالفكر بالرغم من أنه سياسي من الدرجة الأولى وأنه زاوج بين الفكر والسياسة خلافاً للساسة الذين قال عنهم الإمام الصادق: «إذا ذكر الفكر أو الثقافة صدوا ملدوغين».. وقد وصف الإمام هذه المزاوجة بأنها عبارة عن حالة «قلق».. ومن عندي أقول: المعلوم أن القلق لا يصيب إلا أهل الفكر والمبدعين.. وقال الإمام الصادق: إن الفكر يستوجب «المكاشفة التامة» بينما تستوجب السياسة «المداورة» على نحو مقولة الإمام سيدنا علي كرم الله وجهه: «ما كل حق يقال وما كل ما يقال حضر زمانه أو حضر رجاله». على خلفية ما ذكره الإمام الصادق المهدي وما أورده من قول حول المؤلف الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل يتبين لنا إعجاب الإمام بالكتاب إلى الدرجة التي دفعته إلى القول: إن الدكتور مصطفى قد انتصر للفكر وهذه شهادة غير مجروحة تصب في صالح المؤلف.. لأن الإمام والمؤلف على النقيض في ساحة العمل السياسي وليست هناك أي فرصة ولو ضئيلة للمجاملة. في سياق حديث الإمام الصادق المهدي عن كتاب «الربيع العربي.. ثورات لم تكتمل بعد» للدكتور مصطفى عثمان إسماعيل ذكر أنه يتفق مع المؤلف في عشر نقاط مهمة وردت في الكتاب.. وربط تلك النقاط العشر مع إشارته إلى أن البيئة السياسية في مجتمعات الدول التي ثارت فيها ثورات الربيع العربي كانت مواتية وموحية لتحريك الشارع في تلك الدول للإحساس العام بالظلم والاستبداد والفساد.. وأن الشعب العربي من المحيط إلى الخليج أصبح ينشد الحرية والإنعتاق من كوابيس الظلم التي انتشرت في دول الربيع العربي التي ثارت من أجل الحرية والإصلاح والشفافية والعدل ولكن وبكل أسف لم تكتمل بعد ثورات الربيع العربي بحسبانها لم تقضِ على الأنظمة التي رحلت رؤوسها وبقيت جذورها. أما الدكتور عصام أحمد البشير وهو لغوي لا يشق له غبار.. ذكر أنه لابد من «تحرير المصطلح».. أي مصطلح «الربيع العربي».. وقال الدكتور عصام إنه يختلف مع الإمام الصادق والمؤلف الذي استخدم كلمة الربيع التي هي أقرب إلى التفسير الغربي إذ هي مشتقة من الطقس الأوروبي الذي فيه الربيع يعقب ظلمة الشتاء وبرودته.. وقال إن القول الصحيح عند الشعوب العربية هو كلمة «الفجر الجديد» وهنا بالطبع لا يقصد الدكتور عصام الفجر الجديد الذي تفجرت خزعبلاته في كمبالا وأيده الدكتور «الكودة» ومن لف لفه.. وإنما يقصد تصحيح اللفظ فقط.. وقال الدكتور عصام إن طابع الكتاب جاء وصفياً في غالب فصوله خاصة فيما يتصل بالعلاقات الدولية.. حيث إن الكتاب لم يلجأ إلى المعالجة النقدية أو المقاربة من الإسقاط الواقعي لرؤى التاريخ. أما المفكر السوداني الكبير الدكتور عبدالله علي إبراهيم فقد ذكر أن مؤلف الكتاب الدكتور مصطفى قد تحدث في كتابه في المسائل السياسية بطريقة «مفاهيمية».. حيث إنه قدم مفهوم «الفوضى الخلاقة» وحاول عن طريق هذا المفهوم أن يدرس ظاهرة «الربيع العربي».. كما قدم المؤلف مفهوم «المجتمع العميق».. وهذه هي أهم النقاط التي أثارها الدكتور عبد الله علي إبراهيم. بقي القول إن كتاب الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل «الربيع العربي ثورات لم تكتمل بعد» قد حظي باهتمام شاهق.. لأن الكتاب جاء في زمن الربيع القصير العمر في السودان.. وفي زمن الربيع الطويل العمر الذي انتظم في عدد من البلدان العربية ولكن.. ولكن من يدري إلى أين تتجه النسمات الدافئة للربيع في مقبل الفصول القادمة.. وربنا يستر.