وفي شهر ربيع الاول عام 1306ه (نوفمبر1888م) اشتكى رؤساء المجموعة الاولى للخليفة عبد الله من تفكك الجيش بسبب نقص المؤن والسلاح، ونتيجة لل (حزازات) وعدم الوفاق بين الروساء الكبار. وفي 16 جمادي الاول 1306ه (18 سناير 1889م) أرسل الخليفة مجموعة من (الأمناء) للمنطقة تحت قيادة محمد عثمان ابي قرجة الذي كان قبلها على رأس قيادة الجيش في كسلا، وانتهى تحقيق الأمناء الى ان محنة الجيش ترجع الى سوء الادارة، وعلى الرغم من مكانة ابي قرجة الا ان النزاع اتخذ بين البجة والعرب طابعاً شخصياً وصل حتى الى القائدين الكبيرين ابي قرجة وعثمان دقنة وتاججت روح المنافسة السلبية بينهما، فأمر الخليفة الأمناء بالتحقيق في اسباب سوء العلاقات بينهما، وبعدها فرض تسوية أكد فيها قيادة عثمان دقنة للجيش على ان يكون ابو قرجة وكيلاً مسئولاً عن بيت المال. والى هنا نقفز الى مسألة طالما أرقت مؤرخي السودان وصارت بالنسبة اليهم لغزاً لم تحل طلاسمه حتى الآن، وهى مسألة اعتقال ابي قرجة وارساله مصفداً بالأغلال الى منفى (الرجاف) المخيف، وفي ذلك يقول «ب.م. هولت» : « أما ابو قرجة الذي كان موجوداً بالمنطقة في اثناء غياب عثمان دقنة، فقد شغل نفسه سراً بمكاتبات مع سواكن، ولم تكن لديه رغبة شديدة في القتال، بيد ان الثروة والأراضي التى استولى عليها خلال المهدية جعلته يتظاهر بالاخلاص لها» .. دولة المهدية في السودان - دار الجيل- بيروت - «ص 188 » . ويظهر جلياً من الفقرة المقتطفة ان هولت كان يشير بطرف خفي الى ان مكاتبات ابي قرجة المذكورة كانت تدخل في باب الخيانة لدولة المهدية، وذلك بدليل اشارته لثروة ابي قرجة وعدم رغبته في القتال، ومن جانبنا لانتهم هولت بسوء الطوية او مجانية الموضوعية والحيدة والأمانة، ولكن نقول انه قد فات عليه ان تلك المكاتبات انما كانت مع كنتباى حامد بك زعيم قبيلة الحباب البجاوية والذي كان قد أنشأ ميناءاً بحرياً في موقع يدعى (تكلاى) بالقرب من بلدة قرورة الحدودية، وكانت قوات المهدية في أمس الحاجة الى منفذ بحري حيث كان مصوع تحت الاحتلال الايطالي وسواكن تحت الاحتلال البريطاني، وقد كانت المكاتبات المشار اليها بصد استخدام ميناء تكلاى كمنفذ بحري للدولة المهدية، وقد افلح في تحقيق ذلك ابو قرجة، بل وافلح في ضم حامد بك الى المهدية، ولا تزال حتى يومنا هذا الأواصر الوثيقة بين آل أبي قرجة وآل كنتباي. ونختتم مقالنا هذي بأن أمير البرين والبحرين الحاج محمد عثمان ابو قرجة بعد ان تخلص من اسره في الرجاف ذهب الى دارفور وبقى بها لمدة ثماني سنوات، وكان محل حفاوة وتقدير ومشورة من قبل سلطانها الشهير على دينار آنذاك خاصة وان الاخير تربى تربية مهدوية.