عندما قلنا إن كثرة القنوات الفضائية السودانية الخاصة ستكون خيراً وبركة لم نكن مبالغين ولا متفائلين.. ولكن طبيعة المواطن السوداني العاشقة للإبداع والمعطونة في أتونه وعيونه قادرة على تقديم الجديد المفيد.. لذلك لم نستغرب، وقناة الشروق الفضائية تتجاوز كل المحطات التقليدية في التقليد والمنافسة في سوق الفضاء التلفزيوني.. لتقدم لنا (مع كل الود والتقدير) ذلك البرنامج الرائع الذي يحمل في مضمونه الكثير.. يحمل كل معاني التواصل والتراحم في الشهر الفضيل.. ويحمل كل معاني التضحية والقناعة والرضاء بالمقسوم.. فضيوف البرنامج من البسطاء الذين (لا يسألون الناس الحافاً)، ومن (الذين يؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة) قلوبهم معلقة بالسماء (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف).. فقمة التضحية عندما نرى صبياً يضحي بتعليمه للعمل على عربة كارو، لينفق علي أسرته، بعد أن أقعد المرض الوالد.. وقمة الوفاء أن تضحي الزوجة لتصرف على البنين والبنات وعلاج الزوج المريض.. وقمة القناعة والرضاء بالمقسوم أن تفترش الأرض وتلتحف السماء دون أن تحدثك نفسك بما في أيدي الناس أو تحدثك بالحرام.. هي كثير من دروس قدمها لنا البرنامج الناجح ( مع كل الود والتقدير).. وعندما نقول (الناجح) ليس لأن نجاحه يكمن في المساعدات المالية الكبيرة التي يقدمها لضيوفه.. ولكنه ناجح لأنه تميز عن كل البرامج الرمضانية في معظم القنوات الفضائية إن لم تكن كلها.. ناجح لأنه يقدم قبل المساعدة المالية الدروس في معاني التواصل والتكافل في شهر التراحم.. ويقدم الدروس في معاني الإيثار والتضحية والقناعة، والرضاء بما قسم الله.. ويقدم المثال الحي على الدور الحقيقي للقنوات الفضائية نحو المجتمع.. وهو دور ظللنا نفتقده طويلاً.. أو بالأصح تم تغييبه ببرامج الغناء والضحك.. بعد أن جعلت الكثير من قنواتنا الفضائية (هدانا وهداها الله) شهر رمضان شهراً للغناء والمسلسلات.. وكأنها تقول لنا: (إذا كبلت الشياطين بالسلاسل.. نكبلكم نحن بالمسلسلات). نعود لبرنامج (مع كل الود والتقدير)، ونقول إنه واحد من برامج يستحق تسليط الأضواء والتناول والتحليل.. أكثر من اي برنامج آخر.. لأنه تجربة أكدت نجاحها خلال سني عمره القليلة.. ولأنه يقدم النموذج الأمثل لبرامج رمضان.. ولأنه يستحق المشاهدة أكثر من برامج الغناء والضحك والترفيه.. ففيه من الدروس الكثير التي تعلمنا أن ليس بالمال وحده يسعد الإنسان.. وتعلمنا أن صفاء النفوس والتوكل على الله هو السعادة الحقيقية.. وإن (اللقمة الحلال الهنية تكفي أكثر من مية).شاهدوا البرنامج لتروا كيف تفرد السعادة أجنحتها على بسطاء لا يعرفون الأحقاد والحسد.. لا يعرفون الراديو ولا التلفزيون.. ولا تتفوه ألسنتهم إلا بالثناء والحمد لله.. شاهدوا البرنامج لتتعلموا معنى الحياة والحياء، ولتذرفوا الدموع المجبرة على النزول في محطات الخدود.. وهي بالتأكيد ليست كدموع التماسيح..هي دعوة صادقة منا لكم (مع كل الود والتقدير).