في إطار خطتنا لاستنطاق الصامتين من شباب الحركة الإسلامية والذين تراكمت لديهم خبرات كثيرة خلال عملهم في قطاعات الطلاب والعمل التنفيذي والسياسي، أدرنا نقاشاً حول قضايا الساعة بعد أن تضاعفت التحديات وظن الخصوم أنهم الآن يشنون هجوماً رأس رمحه التنصير وبعض العملاء.. والآن الجميع يترقب الإجابة على كثير من الأسئلة الصعبة حول إصرار حكومة الجنوب على استمرار ارتباطها بحركات التمرد وعودة الروح لحركة التنصير ومراوغات حكومة الجنوب واستفزاز قيادات التمرد التي أصبحت تجاهر بأنها لا ترغب إلا في إزالة النظام الإسلامي في السودان.. د. الفاتح عزالدين القيادي بالمؤتمر الوطني رئيس لجنة العمل بالبرلمان في هذا الحوار يجيب على كثير من الأسئلة.. فإلى مضابطه: كيف تفسر هذا الفشل المتكرر للمفاوضات بين السودان وجنوب السودان وحتى قمة البشير- سلفا لم تأتِ بشيء جديد؟ - أولاً الخلاف بين الشمال والجنوب يأتي في إطار تجزئة السودان، وللأسف الشديد الجنوب أصبح من آليات تحقيق إستراتيجية الغرب والصهيونية العالمية التي ترى أن حقوق الإنسان تشمل الإنسان الغربي وهو الأمر الذي لا يفهمه الجنوب الذي سيعاني صراعات داخلية طاحنة لكن الغرب لا يهمه الجنوب ولا يهمه الشمال ولا تهمه أفريقيا، بل ما يهمه هو أن يضعف أفريقيا لتحقيق أهدافه الإستراتيجية والتي من بينها استهداف السودان، فالجنوب لا يملك إرادته من التفاوض مع الشمال. نظرية المؤامرة واستهدافنا من الغرب، لماذا لا تكون هناك إستراتيجية موجهة ضد الدعاية الأمريكية؟ - الحكومة تلعب بدور متقدم، لأن الاستهداف قضية قديمة واستطاعت الحكومة أن تقاوم بواسطة تماسك الجبهة الداخلية والتفاوض مع الحركات المسلحة واتفاق الدوحة، ومن قبل ذلك اتفاقية السلام الشامل، واستطاعت أيضاً أن تخلق رأياً عاماً متقدماً للدول الأفريقية عن السودان عبرنا نحوه المشاكل الجنائية وغيرها، وكذلك استطعنا أن نوسع «مواعين الحوار» وكونت حكومة القاعدة العريضة من الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة السياسية الآن. لنعد للمفاوضات بين السودان وجنوب السودان، الآن أمريكا تصر على جلوس الحكومة للحوار مع «قطاع الشمال» بدون شروط، والمعارضة ترى أن شرط «فك الارتباط» مسبق وعلى الحزب الحاكم أن يجلس إلى طاولة الحوار دون شروط مسبقة ما رأيك؟ - القضايا متشابكة ومتداخلة مع بعضها البعض، وتداخلها هو الذي يجعل المعارضة تدافع عن مواقفها وهذا مشروع لديه هدف واحد فقط هو إسقاط النظام، التوجه العام لقطاع الشمال وحكومة الجنوب واللوبي الذي وقّع الفجر الجديد بكمبالا هو شيء واحد ليس تفاوضاً ولا حواراً وهو إزالة الحكومة عن سدة الحكم، وسقوط الحكومة العريضة عن سدة الحكم يعني أن تعم الفوضى وإضعافاً للمؤسسات والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية المختلفة التي ظلت وستظل صمام أمان للبلاد. لكن لماذا لا تفوّت الحكومة الفرصة على هؤلاء بالجلوس للحوار وتتمترس عند فك الارتباط؟ - لأن عدم فك الارتباط يعني أننا في المسار الأمريكي أن يعبر البترول الجنوبي عبر الأراضي السودانية وتعود عائداته بالسلاح للتمرد ليقاتلونا به، وهذا سيناريو واضح ليس به لبس أو غموض، فإذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لحكومة الجنوب أن تلتزم بالقضايا العادلة وأن تلتزم بما هو منطقي مسنود بالواقعية وأن تفك الارتباط مع الفرقتين التاسعة والعاشرة، والحكومة مثلما فاوضت كل القوى التي حملت السلاح في الماضي، ستحاور قطاع الشمال باعتباره قطاعاً سودانياً ووطنياً مهما اختلف مع الحكومة له الحق في أن تجلس معه، ولكن من المستحيل أن تفصل القضايا عن بعضها. تصف قطاع الشمال بأنه سوداني وطني ولكن الحزب الحاكم يصرح دائماً بأن قادته عرمان وعقار هما أدوات إسرائيلية تسعى لتنفيذ مخطط السودان الجديد العلماني؟ - عرمان ليس بوطني ولا أخلاقي، وعقار ليس بوطني، بل هما تحولا لأدوات إسرائيلية بعد أن فك عرمان الارتباط مع الحزب الشيوعي وأصبح ينفذ أجندة تفتيت السودان وإدخاله في حروب كما يحدث في كثير من الدول الأفريقية الآن مثل الكنغو وسيراليون وغيرها، ولكني قصدت هنا بالوطنية هي الحدود والجغرافيا جنوب كردفان والنيل الأزرق وهما منطقتان سودانيتان، فمن أراد أن يتفاوض عن المنطقتين مرحباً به لكن بعيداً عن الأجندة الخارجية والصهيونية والغربية التي تريد أن تقسم السودان إلى دويلات. إذن كيف تقرأ مستقبل العلاقة بين الدولتين الجارتين؟ - «شوفي» ما هو منطقي البعيد عن المؤثرات الدولية هو الجوار الحسن والتعايش السلمي ما بين القبائل والتكامل الاقتصادي والتجاري وتعزيز العلاقات بين البلدين واستدراك لما فات الشعبين بسبب حروب استمرت لسنوات طويلة بما ينعكس خيراً على الشعبين، هذا هو الأصل وهذا هو المطروح من الحكومة السودانية، فكما «تعلمين» أن هناك سلعاً كثيرة تذهب إلى الجنوب من السودان براً وبحراً والسودان يعتبر الأقرب والأفضل من هذه الناحية من دول جوار كثيرة لا تملك هذه المنافذ والقرائن، حقيقة أن الجنوب لا يدرك هذه المصالح وأهميتها لشعبه وينساه أمام هذه المجموعات الغربية التي لا تريد له خيراً في المقام الأول. هناك أيضاً توقعات بصدور قرار آخر من مجلس الأمن حال رفض السودان الجلوس لقطاع الشمال وهو بالطبع سيتضرر منه السودان بصورة أكبر؟ - القرار (2046) حدد فقط لإخراج الحركة الشعبية من الأزمة التي حدثت لها والوضع كان مذرٍ كاد يطيح بحكومة الجنوب، وذلك عندما تم تحرير هجليج وهزيمة الحركة الشعبية ولتلافي الخطأ الذي وقعت فيه الحركة الشعبية حاول هذا القرار أن يصنع تماسكاً لها، حيث حاول هذا القرار أن يصنع تماسكاً للحركة الشعبية آنذاك وقت فعل نحن قلنا أكثر من مرة إن الآلية الأفريقية هي أكثر عدلاً من الآليات الدولية التي تحركها الأجندة السياسية والأغراض الأمنية المختلفة ولكن الآلية الأفريقية هي الأقرب والأعدل بالنسبة للمحيط الأفريقي، والآن الزيارات التي قام بها النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه لجنوب أفريقيا وغيرها من الدول أكدت تماماً أن هذا الملف لا يخرج عن محيطه الأفريقي، وطالما أن الحوار قائم والباب لم يوصد، فليست هناك أي ثغرة للتدخل الدولي وليست هناك أي توقعات بصدور قرار آخر مطلقاً طالما أن هناك تماسكاً أفريقياً والتزاماً باستمرار الحوار من قبل الأطراف. موجة التغيير الجديدة برزت في هذا الوقت بالذات؟ - الآن هناك حراك واسع إقليمي ووطني وقومي في قضايا مختلفة وليس التغيير فحسب في قضايا تنامي التيارات الإسلامية المختلفة المتطرفة والوسطية تتفاوت من حيث الوجود وكذلك الاستهداف من قبل الكنيسة والعمل في مناطق النزاعات الهدف منه أصلاً القضاء على التيار الإسلامي السوداني الذي مؤثر يقيناً على المحيط الإقليمي ودول الجوار في نيجيريا والسنغال وحتى في الجنوب، لأنه ثبت أن التيار الوسطي هو المقبول وأصبحت العربية هي الأم، وعندما نتحدث عن العربية نتحدث عن الإسلام لأنها هي المدخل مباشرة وأن هناك انقلاباً كبيراً تجاه الإسلام، هذه المعطيات هي محل نظر بالنسبة للكنيسة التي اجتهدت مؤخراً في محاولة لتنصير بعض الطبقات سواء كانت بجنوب كردفان أو الجنوب، وأعتقد أن هذا المشروع موجود عملياً على الأرض وهناك معلومات حقيقية تؤكد أن هناك حملة تنصيرية تستهدف التيار الإسلامي في الوطن في كل أطرافه. إذن ما موقفكم كنواب في المجلس من هذه الظاهرة الموجهة بقوة الآن نحو الإسلام؟ - هذه الظاهرة تحتاج لوعٍ متقدم وبرنامج مركز من قبل الوحدات الحكومية المختصة ومنظمات المجتمع المدني والتيارات الإسلامية المختلفة وخاصة حركات التصوف التي كانت مقبولة في هذه المناطق بقوة الآن مطلوب منهم التحرك وخاصة أن الذين جرت محاولة تنصيرهم لم يكونوا فقراء حتى يقال إنهم استهدفوا لعوز أو حاجة لكن استهدفوا حتى يقال إننا وصلنا القلب وتجاوزنا المجموعات الأثنية إلى المجموعات الإسلامية التقليدية في الشمال السوداني، وهذه مؤشرات مهمة والأهم أن نقابلها ببرنامج عمل إستراتيجي تشترك فيه كل التيارات الإسلامية المختلفة ولكن أيضاً نقول إن الاستهداف من قبل اليهود مستمر وليس فقط عبر محاولات التنصير لكن محاولة مسح وتمييع الهوية ونشر بعض السلوكيات التي لا تشبه السلوك السوداني الإسلامي والتشكيك في المشروع الإسلامي وإضعافه والتشكيك في القيادات وإشانة سمعتهم عبر الوسائط المختلفة، وهذا توجه وإن شارك فيه عدد من أبناء الوطن لكن ليس توجههم وليس من بنات أفكارهم وإنما هناك غرف تعمل ومؤسسات تنشط وآليات تتحرك وأموال تنفق بشكل واضح جداً لتمييع القضية الإسلامية وتحييدها عن مسارها خاصة في ظل أن معظم الدول العربية يكون فيها التيار الإسلامي هو الغالب، فقد برز في مصر وتونس وغيرهما، وهناك دول مرشحة ليكون التيار الإسلامي هو الغالب فيها، وكل ذلك يجعل اليوم اليهود هم في أضعف حالاتهم، وحالة الضعف تجعل الشخص يعمل بصورة من غير أن يتوارى مثلما ما كان يفعل في الماضي، بل تجعله يعمل بكل عنفوانه وإمكاناته المادية والفكرية وكل مقدرته على الاختراع، وهذا المشهد يبدو أكثر وضوحاً في مصر الآن في محاولة إضعاف التيار الإسلامي وتشويه الحكومة، وهذا الأمر يلقي بظلاله على السودان و«تجدين» معظم تأثيراته واضحة جداً على مستوى المسرح السياسي السوداني وكل القيادات والمنظمات على مستوى الدولة والإقليمي والتشريعي، قراءة هذا الواقع قراءة متأنية ومقابلته بإستراتيجية مُقابلة وبنفس طويل وبمحاولة المعالجة بشكل علمي يقابل هذه المشروعات الإستراتيجية للطرف الآخر، ستؤثر على وجودنا وكياننا الاجتماعي السوداني. ... نواصل