ليس هناك إجماع على حبّ رئيس، كما أنه ليس هناك إجماع على كرهه، وصورة الرئيس عادة ما تكون (متخيلة) خاصة في الدول التي يسيطر عليها الهاجس الأمني، ولا أحد يستطيع الإقتراب من الرئيس الحقيقي من غير طاقمه المساعد ومعاونيه، إلا عن طريق الإعلام، لذلك تعتبر صناعة الرؤساء واحدة من أهم وظائف الإعلام، خاصة في الغرب.. فالإعلام والصحافة والفضائيات تقرّب صورة (شخص ما) إلى الناس حتى تصبح صورته جزءاً من مكونات ذاكرتهم، ويصبح مألوفاً لدى العامة، وإذا ما إقتربت ساعة الصفر، واختيار من يحكم البلاد عبر صناديق الاقتراع يكون ذلك (الشخص الما) هو الرئيس القادم، أو الرئيس الذي تم تجديد رئاسته. الصورة عندنا في السودان تختلف، إذ لا بد أن يكون الرئيس (ود بلد) يأكل طعام العامة، ويمشى في أسواقهم، ويدفن موتاهم، ويزور مرضاهم لأنه واحد منهم.. وهكذا كان رؤساء السودان على مر العهود. المناسبة التي دعتنا إلى كتابة هذا الموضوع هي صدور كتاب (جنرال بلا نجوم) لأستاذنا الصحفي الكبير يوسف الشنبلي، وتسلمنا منه نسخة (طازجة) أهداها لنا إهداء رقيقاً، قليل الكلمات، عميق المعاني، وقدّم للكتاب القيّم الفنان التشكيلي الكبير والكاتب الصحفي العميق الأستاذ إبراهيم العوام. تعّرض أستاذنا الشنبلي إلى الصورة الإنسانية لرؤساء السودان وزعمائه في واحد من فصول كتابة الشيق، مثل عاداتهم في تناول الطعام، وسلوكهم تجاه مرافقيهم، كما تعرض إلى عادات بعض الرؤساء العرب في الطعام، مثل الزعيم الكبير جمال عبد الناصر الذي تعود أن يحمل معه في أسفاره الخارجية الجبنة المصرية الأشهر (القريش)، وتعرض لحب الرئيس نايريري ل(الكلاوي) وتعرض لعادات زعماء كثر من بينهم المغفور لهما الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، والرئيس العراقي الراحل صدام حسين وغيرهما. الأستاذ الشنبلي رافق عدداً من الرؤساء والزعماء والوزراء السودانيين في كثير من الرحلات الداخلية والخارجية، لذلك كتب عن الأزهري والصادق المهدي، والنميري والأمير نقد الله وعن بعض وزراء الفريق إبراهيم عبود، كتب عن الجوانب التي لا يعرفها من هم خارج حدودهم، وعن دموع بعضهم عندما إنفصل جنوب السودان، وعندما إرتفع علم الاستقلال قبل ذلك في العام 1956م مشيراً إلى ما أسماه (أغلى الدموع) وهي دموع السيد الإمام عبد الرحمن المهدي، ودموع الرئيس نميري عندما وقع على قرارات تنفيذ حكم الإعدام على زملائه ورفاق دربه من مدبري ومنفذي إنقلاب يوليو 1971م، ثم دموعه في مطار القاهرة وهو يجهش بالبكاء عندما توفى الرئيس جمال عبد الناصر. الكتاب هو الثاني للصحفي الكبير الأستاذ يوسف الشنبلي، وقد سبقه إلى القراء كتاب (صحافي بلا حدود) ونسأل الله أن تليه كتب وكتب ينقل فيها الشنبلي خلاصة تجاربه في بلاط صاحبة الجلالة.