نظرة واقعية لعلاقة أزلية يقول (برتراند رسل)إن اكتشاف أي نظرية معلق بالمعادلة الرياضية التالية: إرادة سياسية+ خيال طلق+ علم بموضوع البحث عميق+ ثم انتظار لحظة إلهام تعطيك تصوراً مترابطاً تطرحه للاختبار.. نعم هناك أشياء يحين وقتها وعندما يحين فليس من سبيل لوقف تدفق التيار والوقت الآن هو أكثر الأوقات نضجاً لعمل فاعل لعلاقة متقدمة ونافعة مع مصر فهل كما قال غانيد (قلتم للناس ولم يسمعوا) ؟وهل أعطيتموهم الحقائق ولم يقبلوا ؟إن النجار لا يحق له أن يلوم المنشار الذي بيده والمنشار اليوم بيدنا فلا نلومنّ إلا أنفسنا إن لم نفعل ذات الشئ الذي يجب أن نفعله اليوم وليس غدًا. نحن في حاجة إلى حركة تخلق نوعاً من وحدة المصلحة والفكر والتوجّه تجمع من حولها تيارًا من القبول والإقناع والحماسة وتنشر أفكارًا وأحلاماً وإرادة فعل متوثبة وغلابة ،خطة عمل يجري التوصل إليها بحكم حقائق الواقع التاريخي وبدرجة عالية من التنبه واليقظة للتطورات العالمية الجارية وظروفها السانحة وبالمبادرة السريعة الواعية بالفعل ورد الفعل خطوة بخطوة وفتح الأبواب والنوافذ بالفكر والمفكرين ،الفكر من الداخل وليس من الخارج للتنظير للمصالح وخدمتها وليس للسخط عليها بالتوتر والقلق والمخاوف الموقوتة والتاريخية 00الحوار والحركة والفعل في دائرة واحدة تخلق جميعها في النهاية شبه إرادة واحدة.. الشفافية والوضوح واللعب كما يقولون «على المكشوف» هو الذي يقود الشعوب إلى تحقيق مصالحها ،المكاشفة والمصارحة هي الطريق إلى النجاح المشترك. في السياسة -كما في السوق -لا يحصل أحد على شئ لمجرد أنه يحلم به أو يتمناه أو حتى يحتاجه ، يحصل عليها بتبادل المنافع وتوافق المصالح من أجل أن روح العصر تجمع الأضداد في عالمنا حمايةً للأمن الدولي ومستقبل الإنسانية وتحقيقاً لرفاهيتها..فكيف بين المتوافقين من الأخوة والأحباب أصحاب المصير المشترك- إن أي تشخيص دقيق لواقع هذه العلاقة يقتضي استقراء التاريخ وقراءة الحاضر والعكوف على نقد الذات وتقويم المشروعات السابقة وتحديد أسباب العجز والقصور ومواطن التقصير مقدمات لابد منها في أي عملية نهوض واستشراف مستقبلي 0هذه الملاحظات لابد من أخذها مأخذ الجد فهي تطرح أسئلة حقيقية ومن شأنها أن تذكّر أصحاب المعنويات الهشة بأن الحياة والنجاح صراع لا ينتهي فما من شئ سهل فإذا كان النجاح دائماً مؤقتاً فإنه ما من فشل عديم الجدوى!! فلا يستطيع شعب أو مجتمع أن يظل أسير خبرته التاريخية كما أنه لا يستطيع تجاوزها تماماً والنظام السياسي الناجح والفعّال هو ذلك الذي يستفيد من تجارب الماضي دون أن يبقى في إسارها والذي يتطلع إلى المستقبل يواجه تحدياتها على ضوء المعطيات القائمة والمستحدثة ، بداية التغيير من حيث المبدأ هو أن تضع أمامك مضمونا (Concept) التغيير في مفهومي هو أن تدرس أحوال العصر وترى تأثير هذا عليك وتخلطه بأمانيك للمستقبل. باختصار هو عمل خلطة بين أمانيك وتصوراتك ، وعليه فإني أرجوكم أن تراجعوا أموركم كلها ومن بينها علاقة مصر بالسودان فالمراجعة كيمياء عقل متحضر0 بعد هذا الحديث النظري الذي آمل أن يكون متعمقاً ومنطقياً السؤال الذي يفرض نفسه هو ماذا نريد من هذه العلاقة وما هو تصورنا لمستقبلها؟ ألخص ذلك كله في الآتي: الخطاب السياسي: إن أحد الأدوار الرئيسية للزعامة الوطنية هو في تركيز اهتمام الناس على ما يحتاج للانجاز والإيحاء بإنجازه0 هذا ما اتُفق على تسميته بالإرادة السياسية الفاعلة. علينا أن نحسب قدراتنا والإرادة في استخدامها بناءً على ما نريد تحقيقه والمصاعب التي نواجهها في سعينا لذلك وأن نبني في خطابنا السياسي وفقاً لكل هذه المعطيات ففي خطابنا السياسي يجب أن نبتعد عن الحديث (الانشائي) «المن الطوق لفوق» كما يقول المثل السوداني عندنا وكل حديث يخرج من اللسان لا يجاوز الأذان.. إن العلاقات الأزلية والنيل الخالد والشعب الواحد هذا حديث أصبح عند البعض كما يقول المثل المصري «هبلة ومسكوها طبلة» لا رائحة له ولا طعم ولا لون .. كلام والسلام.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خاطبوا الناس بما يفهمون» والناس اليوم تفهم مصالحها ،المصالح المشتركة والهم المشترك والتطلّع المشترك.. هكذا يجب أن يكون الخطاب السياسي بين مصر والسودان مخاطباً مصالح الشعبين وموافياً لمطالبهم .عالم اليوم هو عالم المصالح ولكن المصالح لا تغني عن المبادئ والدعوة إلى التشارك والمشاركة لا تغني عن الحماس والحديث عن الواقع والإنجاز لا يغني عن الوعد والأمل والحلم وأداء الواجب لا يغني عن الإبداع والإعتدال لا يغفر فتور الهمم إننا نعيش نهاية عصر يصفّي حساباته والعصر الحديث لأصحاب الفكر والحماس والمبادئ والتخطيط المثابر لتحقيق الأهداف: وما نيل المطالب بالتمنّي.. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا إن أولى الخطوات لتحقيق كل ذلك هي الثقة بالنفس والثقة بالنفس ليست قيادة ولا اتخاذ قرارات إنها ببساطة تركيبة من التقدير الداخلي للنفس ومهارة في المعاملة مع الآخرين إننا نحتاج إلى علاقاتنا مع مصر للشعور المتبادل بالندية والإحترام المتبادل والثقة المشتركة. الإستراتيجية الاقتصادية أصدقكم القول بأن الطموح السياسي من حيث هو يظل مجرد جري وراء سراب ما لم يستند إلى كيان اقتصادي فاعل ومؤثر فكيف بين الشعوب؟ روبرت» فيسك في كتابه (ويل لأمة) والذي تأثر فيه بمقولة جبران خليل جبران التي تقول «ويل لأمة تأكل مما لا تحصد وتلبس مما لا تنسج» وفيه يستطرد قائلاً «على قادة العالم الثالث ومفكريه أن يدركوا بأنهم إذا لم يتركوا خلافاتهم ويوحدوا جهودهم في اتجاه التنمية فسيجدون أنفسهم يحكمون شعوباً لا تعرف من الحريات إلا حرية الموت جوعا!!» صحيح ما كتبه الأستاذ إدريس حسن في جريدة «الرأي العام »السودانية قبل سنوات في أن العلاقة بين مصر والسودان لم تقم على مصالح حقيقية ومنافع مشتركة يحس بجدواها وأهميتها كل من الطرفين مثل المشاريع التنموية الإقتصادية التي تسهم في تلاحم الفعاليات الشعبية بين البلدين عبر مختلف المجالات ومن خلال فرص التكامل الاقتصادي المدروس)0 صحيح قوله فمصر والسودان يملكان امكانات مادية وبشرية أهمها موارد المياه والأراضي الخصبة والطاقات المتجددة وغير المتجددة الكامنة وكذلك رؤوس الأموال الوفيرة لدى القطاع الخاص صاحب الدور الرائد في حركة التنمية الإقتصادية والعمرانية وكل ذلك في رأيي لابد أن ينعكس في استثمار حقيقي للبشر من خلال الموارد المتاحة لتحس الجماهير بجدوى هذه المشاريع ونفعها المباشر في تغيير الواقع الإقتصادي والإجتماعي الماثل نحو الأفضل فالهدف هو خلق تكاملٍٍ اقتصاديٍ نموذجيٍ مسنودٍ بقاعدة عريضة من المصالح المشتركة لسد الاحتياجات الضرورية للبلدين ليكون بوابةً لسوقٍ عربيٍ مشترك فكيف لا و80% من سكان العالم العربي في افريقيا و70% من الأراضي العربية هي في افريقيا والمسلمون في العالم يشكلون خمس سكانه موزعين على 44 دولة ويملكون أعلى نسبة من احتياطي العالم من الغاز والنفط ويتحكمون في مداخل ومخارج خارطة العالم ويطلّّون على العديد من البحار والمحيطات الفاعلة في وقت اصبح فيه تبادل المصالح والمنافع هي لغة العصر لغة العولمة الإيجابية والعملية أيضا وليس كما قال الشاعر: منك الدقيق ومني النار أوقدها الماء مني ومنك السمن والعسل لابد من خلق معادلة حقيقية للإستثمار المنشود تكون قدوة ومثالاً يُحتذى بين مصر والسودان تؤسس لسوق عربي مشترك نواته هذا التكامل المصري السوداني.