إن ترقية و تطوير كرة القدم هي حلم الأسرة الرياضية و المستفيدين من هذه الصناعة بطول العالم و عرضه. للمحافظة على الإنجازات التي تتحقّق و تحقيق التطور المنشود لا بد من توفير قاعدة كبيرة جداً من لاعبي كرة القدم الذين لديهم المهارة الكافية و الاستعداد لاحتراف هذه الرياضة في كل الاوقات. هذا أمر تفرضه قوانين العرض و الطلب في هذا السوق. تأريخياً كانت كل أندية المحترفين و ما زالت تركّز جهدها في الفريق الأول و تعتمد استراتيجياً على سوق انتقال اللاعبين لتحسين أداء الفريق داخل الملعب. كان هناك اعتقاد سائد لأمد طويل و ما زال وسط هذه الأندية أن الاستثمار في أكاديميات التدريب لا يضمن النجاح الرياضي لهذه الأندية وأن هذه الاكاديميات وسيلة لا يمكن الاعتماد عليها لإنتاج لاعبين يمكن أن ينجحوا في الفريق الأول. هذه الاستراتيجية أملتها متطلبات السوق. إن صناعة التسويق و الدعاية و الإعلان التي تستخدم استعراضات كرة القدم و التي تشكّل أكبر مجموعة ضغط تؤثر في أداء هذه الصناعة تتطلب المحافظة على الإثارة التي تنتجها هذه الاستعراضات لتحقيق أهدافها المتمثلة في تحقيق أعلى أرباح ممكنة. باستخدام لاعبين محترفين جاهزين مكتملي التدريب تستطيع هذه الأندية تقديم استعراضات جيدة دون أن تتحمل تكلفة تدريب هؤلاء المستخدمين. يقدّر متوسط تكلفة تدريب اللاعب في أكاديميات كرة القدم الأوربية بحوالي 90.000 يورو سنوياً. أثبتت التجارب أن مثل هذه السياسات و الاستراتيجيات غير دقيقة. لننظر إلى هذه الأمثلة لنؤكد صحة ما ذهبنا إليه. في موسم1995 1996- قام اليكس فيرجسون مدير فريق مانشيستر يونايتد ببيع ثلاثة من كبار لاعبي الفريق هم: بول اينس, مارك هيوز و اندري كانشاليسكيس و ضم للفريق خمسة من صغار اللاعبين الذين تلقوا تدريبا في مدارس كرة القدم هم: ديفيد بكهام, نيكي بط, قاري نيفيل, فيل نفيل و بول شولز. في المواسم السبعة التي تلت فاز فريق مانشيستر يونايتد بكأس الدوري الممتاز خمس مرات كما فاز بكأس الاتحاد الانجليزي لكرة القدم و كأس أوربا للأندية الأبطال في موسم( 1998-1999) عقب الأدء السيىء للفرق الفرنسية في بداية السبعينيات تّم تبني استراتيجية لتطوير أكاديميات كرة القدم في عام 1973. اليوم نجد أعداداً كبيرة و متزايدة من اللاعبين الفرنسيين الذين يعملون خارج فرنسا. و في إيطاليا و في السنوات الأخيرة على وجه التحديد و اجهت اللعبة العديد من المشاكل كنتيجة لانخفاض عائدات حقوق البث و التي تشكل المورد المالي الرئيسي للأندية. لذلك تم تبنّي استراتيجية تمّ بموجبها تأسيس واحدٍ من أكبر أنظمة تدريب اللاعبين. اليوم نجد أن الأكاديميات التابعة لأندية المجموعة (أ) و (ب) وحدها تضم ما لايقل عن 40.000 لاعب صغير السن. إن المبررات و الأسباب التي تدعو لتطوير مؤسسات تدريب اللاعبين صغار السن واضحة و جلية: 1. يثبت واقع حال كرة القدم أن اللاعبين المحترفين الموهوبين و مكتملي التدريب يكلفون مبالغ طائلة و أن غالبية الأندية في جميع أرجاء العالم تعاني في مقابلة أجور هؤلاء اللاعبين بل إن بعض الأندية تزيد أجور لاعبيها عن إيراداتها. في موسم 2001-2 نجد أن 20 نادياً يحوزون على أعلى ايرادات في أوربا ((2.64 بليون يورو) أنفقوا 1.54 بليون يورو على أجور اللاعبين أي ما يوازي 58.2% من مجمل دخلهم. و في بعض الحالات نجد أن أندية مثل لاتسيو روما و انتر ميلان أنفقوا على أجور اللاعبين ما يزيد عن دخلهم. و في نفس الموسم في فرنسا بلغت نسبة الأجور إلى إجمالي الإيرادات 69% و في إيطاليا 90% و في إنجلترا 62% و في ألمانيا 49%. بمقارنة هذا الموسم بموسم 95 - 1996 نجد أن متوسط نسبة أجور اللاعبين لمجمل إيرادات الأندية في منافسات الدرجة الأولى في هذه الدول الاربعة قد ارتفعت من 52.75% الى 67.5%. في موسم 2007-8 بلغ كشف مرتبات اللاعبين في نادي تشلسي الإنجليزي 190 مليون يورو بينما بلغ مجمل كشف مرتبات لاعبي دوري الدرجة الأولى الفرنسي 268 مليون يورو. 2. إن عمليات انتقال اللاعبين تتم بواسطة شبكة منظمة و قوية من المدراء الفنيين لهذه الفرق و ملاكها ووكلاء اللاعبين. إن هذه الشبكات و التحالفات القائمة بين الأطراف تتعرض لهزات في بعض الاحيان نتيجة ًللتغيير المستمر في ملكية هذه الأندية و مدرائها. ما هو غائب هوالتركيز على تدريب اللاعبين صغار السن. 3. منذ موسم 2004-5 يطالب اتحاد كرة القدم الاوربي الأندية بتبنّي سياسات تهدف إلى تدريب و تطوير مهارات اللاعبين صغار السن و جعل ذلك شرطاً للحصول على الترخيص الّلازم للدخول في المنافسات التي ينظمها. و نجده يركّز في مرشد الترخيص المعدّل في موسم 2008-9 على أهمية تطوير و تصميم و تشغيل برامج لتطوير مهارات صغار اللاعبين و جذب أعداٍد أكبر من الشباب المتعلمين من الجنسين ليس فقط لممارستها بل لتشجيعها أيضا. 4. كما أن هذا الأمر تستلزمه ضرورة المحافظة على مبدأ المنافسة المتوازنة و ما لها من انعكاسات على المستوى الفني للعبة و أجور اللاعبين عامةً و النخبة على وجه الخصوص وعلى إيرادات الاندية. فكلما كانت المنافسة غير متوازنة نجد أن حركة اللاعبين تتجه إلى الأندية الكبرى و يصاحب ذلك ارتفاع في أجور اللاعبين المنتقلين. على المستوى المحلي عندما تكون المنافسة غير متوازنة نجد أن أندية القمة التي تتأهل للمنافسات الكبيرة أو تفوز بها تزداد معها احتمالات زيادة إيراداتها و تزداد معها توقعات اللاعبين من حيث الحوافز و عقود الرعاية ..الخ كما أن اللعب للأندية الناجحة و التي تتأهل حتى للمنافسة الكبيرة ترفع من القيمة الرأسمالية لللاعب و التي تعني أجراً أعلى عند الانتقال عالميا إن عملية استكشاف المواهب و جذبها و تدريبها تعود على الأندية بثلاث فوائد مهمة: 1. إن تنمية مهارات اللاعبين صغار السن تغني الأندية عن دفع رسوم الإنتقال التي تدفعها لاستقطاب خدمات اللاعبين0 2. يعني هذا أنه لا يتم إهلاك أي جزء من قيمة اللاعب عند الإنتقال لأنه في الأصل لم تدفع رسوم انتقال 3. يؤدي مثل هذا الترتيب لاحتواء تكلفة أجور اللاعبين المتنامية حيث إن اللاعب الجديد لا يطالب بنفس الأجر الذي يطالب به اللاعب المحترف و المتمرس0 بالنظر إلى دول العالم الثالث نجد أن تطور كرة القدم يعاني من العديد من المشاكل الناتجة عن ضعف الأحوال الإقتصادية لهذه البلدان. فهي تعاني من نقص حاد في المعلمين و المدربين, ضعف التمويل, نقص البنيات الأساسية و المعدات, وضعف الأداء في المنافسات العالمية. كما أن هذه الدول لا تستطيع تنظيم المنافسات الكبيرة و هي غالبا ما تعاني من الفساد الإداري والاختلاسات و تأخير سداد أجور الللاعبين. لإصلاح مثل هذه الأوضاع لا بد من زيادة الاستثمارات في كرة القدم لتطوير البنيات الأساسية و استجلاب المعدات وتحسين الرعاية الطبية وإنشاء مؤسسات التدريب و زيادة أعداد المدربين.