وفق المواد الأولى والخامسة من الدستور الانتقالي الذي تُدار البلاد به الآن، فجمهورية السودان دولة لا مركزية، توزع السلطة والثروة فيها بين المستووين القومي والولائي، وذلك عبر مؤسسات تنفيذية وتشريعية في المركز والأطراف، ولتحقيق مرامي النظام اللامركزي فقد قسمت البلاد إلى سبع عشرة ولاية. لكل منها والٍ. ü الشخصية المحورية في قيادة العمل السياسي والتنفيذي والتشريعي في الولاية هي الوالي. والذي يقوم بدور شبيه بدور رئيس الجمهورية ولكن على مستوى الولاية. ü مصطلح «الوالي» هذا- ذو الخلفية التأصيلية- حديث نسبياً وارتبط بعهد الانقاذ الوطني، وفي الماضي كان المسؤول الأول في الولاية يسمى حاكماً، وذلك منذ تطبيق الحكم الاقليمي في مطلع ثمانينات القرن الماضي، عندما أقدم النظام المايوي على تعميم ذلك النمط من أنماط الحكم اللامركزي على أجزاء القطر الشمالية، بعد أن كان قاصراً على جنوب السودان، عقب إنفاذ الحكم الذاتي الاقليمي في المديريات الجنوبية الثلاث عام 1972م. ü وسواء في عهد مايو، أو فترة الديمقراطية الثالثة 1985- 1989م- أو في ظل نظام الانقاذ الوطني الحالي، ظل منصب الحاكم أو الوالي هو أكثر المواقع السيادية جاذبية وأهمية على المستوى الاقليمي، وكان كل نظام حكم يحرص على أن ينثر كنانته ويعجم عيدانها ثم يصطفي أكثرها ولاءً له، أو اقربها إلى قلبه، أو أوسعها قبولاً لدى أهل الولاية، فيجعل منها الولاة والحكام. ü ورغم وجود المؤسسات الحزبية، والكيانات التشريعية، والتنفيذية، إلا أن الوالي يظل الرقم الأول في تقرير أمهات المسائل، وحسم الخيارات، وإمضاء السياسات، وفي كثير من الأحيان تعجز باقي المؤسسات عن كبح جماحه أو ممارسة الضغوط المؤثرة والفاعلة عليه، فهو رمز السلطة، ورجل الدولة الأول، وهو ظل الحكومة القومية، وهو القابض على قرارات التعيين والإعفاء، والممسك بمفاتح الموازنات والامكانات، وهو- في حالة المؤتمر الوطني- رئيس الحزب على مستوى الولاية. ü هذا الثقل العظيم للوالي الذي يفوق الوزراء الاتحاديين، انعكس بطبيعة الحال على طريقة إختياره أو تعيينه، وظل الخلاف في سائر العهود يحتدم في كل آونة وحين بين دعاة الانتخاب، ومناصري التعيين، وفي حالات أخرى كان النزاع يحل عبر حلول وسط تجمع بين الاثنين معاً، إذ يُعهد إلى كلية انتخابية بأن ترشح عدداً من الأسماء، ويترك لرأس الدولة أن يختار واحداً منها. ü في ظل الانقاذ الوطني مر الأمر بمرحلتين.. الأولى في ظل دستور 1998م، حيث نصت المادة (56) منه، على أن تقوم كلية انتخابية من أعضاء مجلس الولاية، وأعضاء المجلس الوطني الممثلين للولاية على المستوى القومي، زائداً رؤساء المحليات بالولاية، بترشيح قائمة لا تقل عن ستة مرشحين، ترفع لرئيس الجمهورية، الذي يختار ثلاثة منهم يخوضون الانتخابات العامة، ويتولى المنصب المرشح الحائز على أكثر من خمسين بالمائة من جملة أصوات المقترعين. ü في ديسمبر 1999م جرت محاولة لتعديل نص المادة (56) بدعم ومباركة من رئيس المجلس الوطني الدكتور حسن الترابي، بحيث يتم انتخاب الوالي مباشرة من شعب الولاية دون أن يكون لرئيس الجمهورية دور أو نصيب في عملية الاختيار، الأمر الذي لقى تحفظاً من رئاسة الجمهورية التي بذلت جهوداً مضنية لاثناء المجلس ورئيسه عن المضي قدماً في اجراء التعديل المثير للجدل، لكن المحاولات فشلت وتصاعد الخلاف ليصل إلى مرحلة الصدام المؤسف بين المؤسستين، والذي انتهى وكما هو معروف بحل المجلس عبر استخدام اجراءات الطواريء كما أدى الخلاف حول انتخاب الولاة إلى الانقسام الشهيرة في الحزب الحاكم. ü عقب اقرار دستور 2005م الانتقالي الحالي، تغير الأمر بصورة جذرية، اذ قضت المادة (179) من هذا الدستور، بأن يكون لكل ولاية والٍ ينتخبه مواطنو الولاية، وطبق هذا النص بحذافيره في انتخابات 2010م الأخيرة، والتي جاءت ولأول مرة في تاريخ السودان بولاة منتخبين انتخاباً مباشراً من مواطني ولاياتهم. ü ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن مضت حوالي ثلاث سنوات على هذه التجربة، ولقد افرزت الممارسة العملية اشكاليات عديدة كما كشفت عن ثغرات في الوضعية الدستورية للوالي المنتخب. ü وطيلة هذه الفترة، لم يتوقف التساؤل عن ملاءمة وتناسب النظام المعمول به الآن في شأن انتخاب الولاة، مع ظروف البلاد الأمنية والسياسية بل والاقتصادية. ü كما أن الواقع المعاش، وبعض الأزمات التي حدثت في كل من جنوب دارفور والقضارف والنيل الأزرق، كشف ضعف العلاقة بين رئيس الجمهورية المنتخب والذي يقود البلاد في ظل نظام رئاسي، وبين الولاة المنتخبين، إذ أنه لا سلطان دستوري أو قانوني ظاهر للرئيس على الوالي المنتخب، ولا يستطيع الرئيس أن يعفي أو يقيل الوالي مهما فعل، إذ أن ذلك شأن المجلس التشريعي للولاية الذي يملك لوحده صلاحية سحب الثقة عن الوالي. ü في الاسبوع القادم بإذن الله نفصل ما اجملناه اليوم