تسعى الدول في كل بلاد العالم للاهتمام وإسعاد ابنائها المتفوقين في كل ضروب العلوم، وتعمل على توفير كل سبل الراحة ليواصلوا إبداعهم وانجازاتهم العلمية دون اعتبار للسن، ويكون المعيار هو المقدرة على العطاء فقط لأنهم هم الثروة الحقيقية الأولى وبهم تنهض الأمة وتتطور. وعندنا في السودان الوضع يختلف تماماً حيث توضع العراقيل أمامهم ويتم تشريدهم وهم في قمة عطائهم. في هذا المقال سوف أتناول ومضات من سيرة أحد المبدعين من أبناء هذا الوطن وهو شخص تفوق داخلياً وخارجياً الا وهو العالم والطبيب الانسان د. محمد سراج أبشر أول طبيب سوداني درس الجامعة والدراسات العليا بجامعة لندن وكان من المتفوقين. لقد عمل د. سراج ببريطانيا حتى وصل إلى كبير أطباء الباطنية والقلب بلندن، أمدني بهذه المعلومة البروفيسور عمر يوسف العجب الأستاذ بجامعة اكسفورد. ويكفي د. سراج فخراً بأنه كان الطبيب العربي والمسلم الوحيد ضمن طاقم علاج المغفور له جلالة الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود بلندن. وعندما أراد سفير المملكة العربية السعودية بلندن آنذاك اعطائه استحقاقه المالي نظير ذلك رفض رفضاً باتاً ،وعندما أصروا عليه طلب منهم ان كان لابد من مكافأته أن يتبرعوا بانشاء مستشفى تخصصي للقلب في السودان وبالفعل وجه جلالة الملك خالد مستشاره المرحوم رشاد فرعون بأن يشرع في إقامة المستشفى بكل المعدات وعلى أحدث مستوى عالمي وطلبوا من حكومة السودان اعطائهم مساحة أرض ليقوم عليها المستشفى، وكلفت شركة عالمية للقيام بعملية التشييد، ولولا مماطلة بعض المسؤولين في ذلك الوقت وطلبهم تسليمهم المبلغ المرصود للمستشفى!! وسيقومون هم بانجازه، وظل هؤلاء المسؤولين يماطلون حتى وفاة الملك خالد عليه الرحمة والغفران وتوفى كذلك المستشار رشاد فرعون. وعندما عاد د. سراج للسودان جاء وهو رقم في بريطانيا وقام بتدريس عدد لا يستهان به من الأطباء في جميع دول العالم ، ولا يزال يلقى التقدير والإحترام من طلابه، أينما حلَّ. وانخرط د. سراج منذ وصوله السودان في عمل جاد ودؤوب حيث قام بتأسيس أول قسم لقسطرة القلب في السودان، كما قام بتأسيس أول قسم للعناية المركزة لأمراض القلب بمستشفى الشعب التعليمي بالخرطوم. كذلك أسس قسم لرسم القلب بالموجات الصوتية أثناء المجهود بانشاء مجمع مؤسسة القلب السودانية بمستشفى الشعب. وساهم د. سراج في أول عمليات قلب مفتوح في السودان في عام 1981م مع بروفيسور مجدي يعقوب والبروفيسور رونالد روس «انجليزي» وبعدها مع المرحوم البروفيسور إبراهيم مصطفى. تقلد د. سراج رئاسة قسم الطب الباطني بكلية الطب جامعة الخرطوم ورئاسة الجمعية السودانية لاختصاصيي الطب الباطني. عمل د. سراج أيضاً على تأسيس جمعية أصدقاء مرضى القلب في عام 1983م برئاسة المرحوم د. عبد الحليم محمد واستطاع بعلاقاته أن يجمع التبرعات لصالح الجمعية وانشاء عدة مباني داخل مستشفى الشعب ما تزال ماثلة حتى يومنا هذا. أما من ناحية الإخلاص والتفاني والانضباط في العمل فيعرفه كل من عمل معه أو مرضاه، ولقد عَمِّلت معه إبنتي الطبيبة منذ أن كانت طالبة طب، وبعد التخرج ذكرت لي أن د. سراج قامة يندر مثيله في إحترام العمل والمواعيد ولقد انعكس ذلك الانضباط على كل من عمل معه فهو صارم في عمله لا يجامل كائناً من كان. أما سمعته خارجياً فقد أخبرني زميلي اللواء شرطة «م» عبد الوهاب بابكر عندما ذهب للعلاج بجمهورية مصر، وقد دله الزملاء بالسفارة على أكبر اختصاصي قلب في القاهرة، وعندما ذهب لمقابلته قال له الطبيب المصري كيف تأتي من السودان للعلاج في مصر، وعندكم في الخرطوم د. سراج أبشر وعندما أجاب عبد الوهاب بأنه لا يعرف د. سراج سأله الطبيب المصري عندكم مين مثله؟ ونصحه بالرجوع للخرطوم ومقابلة د. سراج فهو أفضل مني مائة مرة واذا لم تقابله فذنبك على جنبك، وأصر الطبيب على اللواء عبد الوهاب بمقابلة د. سراج واتباع ارشاداته حتى وان غير له روشتة العلاج التي كتبها. ذكر وزير التعليم العالي في برنامج في الواجهة في التلفزيون القومي وكان حول هجرة الكوادر المؤهلة للخارج لقلة الدخل انه رفع سن التقاعد لسن الخامسة والستين وللكوادر النادرة والعلماء بالعمل مدى الحياة فبالله عليكم بعد هذا الكلام هل هناك أشخاص ينطبق عليهم مثل هذا القول أكثر من د. سراج ود. ياجي ود. العَدني وآخرين أمثالهم وأنا أتساءل من هم الذين أقالوا هؤلاء العلماء وأحالوهم للمعاش؟ وهل هم في قاماتهم العملية السامقة؟ سؤال عفوي بسيط- من يُقِّيل من؟ أخيراً هذه الكوكبة لم تفقد شيئاً فهم أغنياء بعلمهم وخبراتهم الثرة، لكن الخاسر الأكبر هو الوطن وأبناؤنا طلاب الطب في الجامعات، وطلاب الدِّراسات العليا من الأطباء والمرضى المغلوبين على أمرهم، الذين لم يعرفوا أو يسمعوا أن لهذه الكوكبة النيرة أخطاء طبية في يوم ما علماً بأن هنالك من هم أكبر منهم سنا،ً وأقل منهم علماً وعطاءاً لا زالوا يعملون..!! فَلكِ اللَّه يا بِلادي..وحقاً يا بلادي كم فيك حاذق..!!