في ذلك المساء كنت أمام محل الآيسكريم والحلويات، وأنا ضمن بعض المنتظرين لأمر ما.. اختاروا (برندة) المحل فهي ظليلة وتشبع رغبة أو نزوة مراقبة الداخلين والخارجين. وقفت عربة.. نزل رجل فوق الستين من عمره.. ومعه شابة في بداية العشرينات.. جميلة ويميزها زيّها الأنيق لكن المقبول. وهي تمسك بيد الرجل.. لا تمسكه بل تدخل يدها بين ساعده بحميمية جامحة.. وهما يضحكان. بدأت تعليقات الحاضرين: قالت المرأة التي تحمل كيساً أسوداً يمتليء بملابس لا نعرف إن كانت قديمة للإستعمال أو جديدة للبيع. قالت وهي تحرك الكيس في عصبية: الرجال الزمن دا جنو: الواحد عشان مروِّق يعرس بت قدر بتو!! الرجال الكبار ديل جنَّوا عدِّيل. يتدخل شاب يحمل مذكرات ويدخن سيجارة: هو أريت كان معرسا تلقى لافي معاها ساي.. على حس عربيتو وإمكن يكون مشغلها سكرتيرتو. رجل كبير يصلح من نظارته ذات العدسات المقعرة ويُفتي قائلاً: واضح إنها ما عندها وليان.. لو كان وليانها بسألوها طلعت مشت وين وجات من وين؟ عشان كدة حايمة مع راجل قدر أبوها (ويصفق بيديه مستعجباً من عمايل آخر زمن)!! الفتاة الشابة التي كانت تنظر في ساعتها بين الحين والآخر ثم تتصل بالموبايل ولكن لا أحد يرد.. تدخلت في النقاش الدائر قائلة: يا أخوانا تعمل شنو؟ تكون إتخرجت من الجامعة بعد أهلها دفعوا دم« قلبن».. وبقت لافة ما لاقية شغل حتى رجلينا حفن.. لقت عمك ده.. شغلها معاهو بيشروطو.. أها بقت لافه معاهو.. عاودت المرأة وما زالت تحرك كيسها: لو هي بت ناس جدَّ.. مهما بقت ما لاقية شغل إنشاء الله تجوع وما تلقى اللقمة لو بت أبوها صحي ما بتعمل جنس العمل ده. قال الرجل الكبير وهو يثبت نظارته على عينيه: كلامك صاح يا بتي.. والله أنا من ما شفتهن قلبي فار عليهن ولسه فاير . إن بي مرادي أمسكها أديها كفين تلاتة في وشها. والشايب الما بحترم نفسو دا أديهو على راسو. قال الشاب: حقوا الواحد «يقطرن» ويوديهن للبوليس عديل عشان يتأدبوا.. ولما خرجا وكل منهما يتناول آيسكريم (الشعلة) ويعملان فيه لسانيهما. كادت النظرات تنهشهما. لكن الرجل عرفني.. فسلم عليّ وفي خجل سلمت عليه.. فقال أنا عرفتك مش إنت استاذ فلان؟ نعم أنا أهلاً بك. أنا عمك فاروق.. ودي (بتي هديل).. أصلها كانت في كندا متزوجة هناك. وجات في إجازة بعد عشرة سنين. ولما كانت صغيرة كنت بطلع معها نأكل آيسكريم.. أها قالت لي يا بابا عليك الله نعيد الذكريات. فقلت: بصوت عالٍ: يعني دي بتك؟ فقال: أيوه هدِّيل.. هدِّيل فاروق.. هي خريجة فنون.. عملت كم معرض بره لو سمعت بيها. فقلت بصوت عالٍ جداً: ماشاء الله يا حاج عندك بت فنانة. وانصرف الرجل: فأخذت أنظر الى الجماعة في شماتة.. فقالت المرأة: آآي واللَّه ظاهر إنو بتو.. معقول لو ما بتو يعمل كده. الرجل الكبير قال: طبعاً بتو.. أنا ذاتي قلبي كان ماكلني واضح إنها بتو! قالت الفتاة: ضروري تكون بتو.. دي دايره درس عصر؟! فقال الشاب: ياهو نفس تخميني.. بت مع أبوها..! ونظرت إليهم مرة أخرى ومضيت في طريقي وتركتهم بعضهم يطقطق اصابعه وبعض يعض على شفته.. مضيت وصوت المغني يردد في خيالي: مالك مجافي الناس.