أخبرتني العزيزة «أميرة» مسؤولة العلاقات العامة لنا جميعاً في الصحيفة أن هناك من يلح في السؤال عني والرغبة في لقائي، وأنه قد أتى ساعياً لملاقاتي أكثر من مرة.. تملكني فضول عارم حول هوية هذا الرجل الأشيب الوقور دمث الأخلاق، فخرقت القاعدة وسمحت لأميرة بأن تعطيه رقم الهاتف الخاص بي.. وما لبث أن أتاني صوته عبر الأثير ضاجاً بالحماسة والكلم الطيب مشيداً بقلمي المتواضع متنبئاً لي بمستقبل زاهر بإذن الله.. أخجلني ثناؤه بقدر ما أسعدني وعرفت منه أنه الأستاذ عبد الرحيم البرعي إبراهيم الذي يعمل بكلية الأحفاد الجامعية للبنات، راعي ومؤسس مجلة «المجد» الشهيرة والتي بدأت كجريدة حائطية كان يكتبها بخط يده ويعلقها على الجدار الخارجي لمنزلهم بحي بيت المال العريق منذ العام 1957م.. ثم بدأت المجلة في التطور تدريجياً ولكنها ظلت تكتب بخط اليد حتى العام 1993م، وطوال هذه الفترة كان العم «عبد الرحيم» مؤمناً بمجلته المتواضعة ومواظباً على صدورها دون أدنى تقاعس أو كسل، ثم بدأ يطوف بها على دور العلم والصحف والشخصيات الاجتماعية البارزة، حيث وجد الدعم والمؤازرة والتشجيع فمضى قدماً في طريق «المجد» الشائك رغم تواضع الأمكانات وضيق ذات اليد.. ولكن قد قرأت مؤخراً ما خطته يد أستاذنا «مصطفى أبو العزائم» في حق الرجل ومجلته الحبيبة إليه، ولكني لم أكن أعلم مدى ما أولاه الرجل لهذه المجلة من رعاية وإيمان وحرص واهتمام.. فالرجل لا زال حتى الآن ورغم تقدمه في العمر حريصاً على جمع المواد الدسمة وإجراء الحوارات الهادفة لتضمينها إصدارته الشهرية التي بدأت مؤخراً، وتبعاً للتطور الطبيعي للمجتمع تجمع عن طريق الحاسوب لتأتي في حُلة أنيقة رغم بساطتها، وتجد بين جنباتها المعلومة القيمة والنصيحة المفيدة والمواضيع الشيقة التي تدفعك للحسرة على حال هذه الإصدارة القيمة، لتتساءل عن سبب إصرار الأستاذ عبد الرحيم على إبقائها على ما هي عليه دون أن يفكر في إخراجها رسمياً إلى النور كإصدارة استثمارية ثقافية شاملة.. وحين حملت هذا السؤال إلى العم الأستاذ أكد لي أنه يفضل بقاءها على حالها هذا فهو قد ارتبط بها جداً وأصبحت شغله الشاغل وقد أفنى زهرة شبابه من أجلها، إضافة إلى أن ميزانيته المتواضعة لا تسمح بهذه المبادرة وتكبد مشاق تأسيس موقع للمجلة واستخراج التراخيص وصرف مرتبات لأسرة التحرير، غير أنه في الوقت ذاته لا يمانع في المشاركة بمبادرة من احد القادرين وأهل الدراية من أجل المضي بالمجلة قدماً، علماً أن العم عبد الرحيم ينفق على المجلة من جيبه الخاص ويستقطع لها شهرياً مبلغاً محترماً من راتبه حتى تبقى على قيد الحياة ولا تتوقف، وهو يفعل المستحيل في سبيل ذلك وعلماً بأن المجلة سبق وتم تقييمها من قبل المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، حيث قام وفد مقدر بزيارة المجلة وأعد تقريراً ضافياً بخصوصها، وتجد في إرشيفها الذي حرص الأستاذ عبد الرحيم على توثيقه بصورة جميلة وأنيقة، وعلى مر السنوات تجد حوارات نادرة وشيقة أجريت مع شخصيات ذهبية في تاريخنا، أمثال الأستاذ «علي شمو» والشاعر «صلاح أحمد إبراهيم» والأستاذة «صفية الأمين» والمحامية «صفية صفوت» والمخرج السينمائي «جاد الله جبارة» والصحفي الأستاذ «محجوب محمد صالح» والمعلق الرياضي الفذ «طه حمدتو» والممثل «مكي سنادة» و «تحية زروق» و«الطيب عبد الله» و «عوض صديق» ود. «محاسن حاج الصافي» والأستاذات «زينب كرم الله ورجاء حسن حامد وهيام المغربي واحسان التوم»، وغيرهم كثر من الأسماء اللامعة والبراقة في سماوات الثقافة والفن والسياسة والأدب والمجتمع.. وأمام المجهود المبذول من مؤسس مجلة المجد وأعضاء أسرة تحريرها الأكارم المخلصين الذي يحرصون على صدورها شهرياً بكل الحب والتجرد والتفاني، لا تملك إلاّ أن تنحني احتراماً وتشعر بأن الثقافة عندنا لا زالت بخير. *تلويح: أتمنى أن تخرج «المجد» من إطارها المحدود لتصنع المزيد من «المجد».