إذا أعلنت الحكومة عن خطة إستراتيجية لخفض الأسعار ورفع تكاليف المعيشة فما على المواطنين إلا حبس الأنفاس... إى تصريح لمسؤول حكومي حول موضوع «قفة الملاح» يقابله السوق في اليوم التالى بالمزيد من ارتفاع الأسعار ... خذ مثلاً الزخم الذي أحدثه إعلان حكومة ولاية الخرطوم بتدخلها لخفض أسعار الفراخ بالولاية .. وتحديدها لمراكز معينة للبيع المباشر بسعر منخفض وحديث المسؤولين عن برنامج أو خطة إستراتيجية (لا أدرى) لتحويل شعب الولاية إلى آكل للحوم البيضاء وعلى راسها الفراخ بدلاً من الحمراء لتوجيه الأخيرة إلى جلب العملات الصعبة من الخارج أسوة بما يحدث في بلاد الدنيا التى تمتلك مثل ما نملك من ثروة حيوانية ... هلَّل أهل الخرطوم لما قيل من أن الفراخ ستكون وجبة الفقراء ليُترك للأغنياء الدهون والكلوسترول لكن ماذا حدث ... في أول يوم من شهر رمضان الكريم ارتفع كيلو الفراخ من تسعة جنيهات إلى ثلاثة عشر جنيه!! .. وفي المقابل ارتفعت أسعار اللحوم لتصل إلى 25 جنيه للضأن، و18 جنيه للعجالى ... ضاعت آمال الفقراء بتذوق طعم الفراخ... رغم أن والي الخرطوم الحالي د. الخضر- أسوة بسابقه د. المتعافى- ركز على الفراخ كأولوية له في قفة الملاح من خلال ما بذله من وقت واجتماعات، إلا أن الشاهد في الأمر أن ارتفاع تكاليف المعيشة طال كل السلع والخدمات، وبالتالى فإن أول هزيمة لذلك المجهود كانت من (بوابة الفراخ)، غير أن قصة مسؤولى ولاية الخرطوم مع الفراخ لم تعرف كواليسها من زمن المتعافى إلى الخضر .. لا ننسى وجبة الفراخ الدسمة في عهد الوالي السابق أبان مرض انفلونزا الطيور وما صاحبها من تصريحات أثناء الغداء تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن طريق الفقراء إلى الفراخ أصبح قاب قوسين أو أدنى، وفي المقابل السوق لا يسعه إلا أن يمد لسانه مثلما مد نفس اللسان في عهد الوالي الحالي لذات وجبة الفقراء من الفراخ .. بالأمس ظهر البرلمان ... ليست المرة الأولى ولا الأخيرة ... أسهب في التحذيرات حول غلاء الأسعار .. مثلما أسهب في تكرار أنها غير مبررة .. وعلق الأمر على شماعة السماسرة والتجار .. أعلن المجلس على لسان رئيس الصناعة والتجارة عن حملة خلال الأيام القليلة القادمة لضبط الأسواق، ورئيس المجلس قال في الصحف إنه اكتشف مع مسؤولى حماية المستهلك أن السماسرة وراء التلاعب ... (يا للاكتشاف) منذ قيام الخليقة والناس يعرفون هذا الاكتشاف.. ما المطلوب لضرب السماسرة.. هل بيد من حديد والزج بهم في السجون أم بالوفرة والإنتاج وخلق المنافسة الحرة ... لعلم لجنة الصناعة والتجاره أن تلاعب السماسرة لا يجد أرضاً خصبة وميداناً للتلاعب إلا إذا كانت اجهزة الدولة عاطلة.. ولعلم اللجنة أن القوانين التى تتحدث عنها والخاصة بحماية المستهلك ومنع الاحتكار ليست بها جديد فهذه القوانيين ومسوداتها تقبع داخل أضابير المجلس ووزارة العدل منذ ما يقارب ال 10 سنوات أو تزيد وبالتالى ليس بها اكتشاف جديد ... فهي معطلة ولا تعمل ولم تر النور .. ولا اعتقد أنها سترفع للبرلمان عقب العيد لأنها رفعت ورجعت ثم رفعت ورجعت، ومصيرها أصبح كمصير تصاعد الأسعار الذى تبحث الأجهزه الرقابية وعلى رأسها المجلس الوطنى عن مبرراته... سؤال إلى لجنة الصناعة والتجارة: هل سياسة التحرير تعنى فوضى عارمة في الأسواق، وفقراء لا يستطيعون سد حاجتهم من الغذاء بسبب تعاظم دور السماسرة ورفعهم للاسعار بلا مبرر؟! فلتصدقنا اللجنة في رأينا أو حتى في جزء منه .. إن المشكلة ليست مشكلة قوانيين، بل المشكلة في تعطيل القوانين بفعل فاعل وبالتأكيد هذا الفاعل ليس السماسرة .. لأن أعمال القوانين ونفاذها تقوم بها سلطة قائمة بذاتها وعلى رأسها سلطة رقابية هي المجلس الوطنى ... إذن فلن نتوقع أن الحال سيتغير بعد عطلة العيد لأن السيد قانون المنافسة سيُعتمد من المجلس الوطنى كمولود جديد!.. الأمة المنتجة شعار يتجول به وزير الصناعة د. عوض أحمد الجاز .. لم يفتر أو يحبط من الاستمرار في ترديده منذ أن تولى وزارة الطاقة ثم بعدها المالية ... في كل لقاء إعلامى أو جماهيرى لا حديث له غير التحريض نحو الإنتاج ... بصراحة كنت أرى الملل في بعض الوجوه من كثرة سماع هذا الشعار من د. الجاز إلى درجة أن جاري باليمين من الصحافيين كان تعليقه قبل بداية اللقاء حول المحاضرة الراتبة عن الأمة المنتجة .. بصراحة تعجبني جداً فكرة حث السودانيين إلى الإنتاج، واعتقد أنه حديث ليس للاستهلال، وسيأتى بنتائجة إن لم يكن اليوم فبعد عشرين عاماً المهم أن يُحقق... وفكرة الأمة المنتجة هي- في رأيِّ- التى تضرب الأسعاروتضرب السوق وأيضاً السماسرة... فطالما إنتاجنا لا يسد حاجتنا المحلية فإن اقتصاد الندرة سيظل هو المسيطر على كل أركان العملية، وليست القوانيين والإجراءات والمحاكم ...هذه البلاد فقدت إنتاجها رغم مقومات الوفرة وحكاية سلة غذاء العالم... سيطرة السماسرة على الأسواق وتلاعبهم بالأسعار لا علاقة لها بالمافيا ولا تخضع لنظريات مؤامرة خارجية.. كل ما هناك أن الاعتماد على استيراد الغذاء المعتمد على العملة الصعبة من السوق السوداء أدى إلى خلخلة في الأسعار، مثلما أدى نقص الإنتاج المحلي وارتفاع تكلفته إلى خلخلة في الأسواق، أدت إلى ظواهر كان من الممكن تداركها بالسياسات الاقتصادية لا بالإجراءات البوليسية.