تعد ظاهرة السرقات الأدبية والاعتداء على حقوق الغير، أسوة بكثير من الظواهر السلبية كسرقات المنازل وغيرها، من الظواهر التي أصبحت من السمات المميزة لمجتمعنا، فهي تتفشى بصورة مزعجة ولافتة للنظر. ويكن الأمر معروفاً وواضحاً بهذا الشكل في سابق الزمان- كما أفادنا بعض المهتمين والاختصاصيين في مجال الملكية الفكرية، غير أن انتشار هذه الظاهرة يعد أمراً يجب الوقوف عنده، بعد أن أصبح الطريق ممهداً للمبدعين والمؤلفين الزائفين في ظل غياب القانون الذين يقومون بسرقة أفكار الآخرين دون بذل أي مجهود يذكر، وأجمع الخبراء على أن القانون يتم تنفيذه بصورة ضعيفة، الشيء الذي جعلنا نشيد بالتقليد وتشجيعه، مؤكدين أن أغلب البرامج الإذاعية والتلفزيونية ما هي إلا تقليد، قد بلغت جملة القضايا المترافع عنها عند أحد المستشارين في الملكية الفكرية «300» ألف قضية مختلفة خلال السنوات الثلاث الماضية. «آخر لحظة» قامت بجولة شملت عدداً من أصحاب الشأن والخبراء في مجال القانون فكانت الحصيلة التالية: ضعف في تنفيذ القانون: أوضح الدكتور عبد القادر سالم الأمين العام لمجلس المهن الموسيقية والمسرحية أن هذا القانون رغم وجوده منذ أكثر من «10» سنوات إلا أن تنفيذه يتم بصورة ضعيفة جداً، فما زال الاعتماد على أغاني الغير دون أن يحاسبهم القانون، لأننا جميعاً نستيسر أمر التقليد ونشجع المقلدين، بل أغلب البرامج ما هي إلا تقليد من سبقونا، واتهم الدكتور الاذاعات والتلفزيون والمجتمع بالمشاركة في تفشي ظاهرة السرقة، وحتى المبدعين لم يلبوا النداء لتسجيل أنفسهم.. مضيفاً أن المؤلفين والملحنين لا يعملون على تكوين جمعيات من المفترض أن تقوم بحمايتهم.. مما يؤكد عدم حماس المبدعين لإنفاذ القانون، وتأسف سالم على النسبة الضعيفة المنفذة من القانون والتي بلغت 25% داعياً للاجتهاد لانجاح القانون حتى نعطي كل ذي حق حقه.. مردفاً القول إن الجميع مشتركون في فشل القانون، وقال سالم هذا القانون عالمي، وعدم تنفيذه يجعلنا في عداد الدول المتخلفة.. مضيفاً بوجود بعض الثغرات بالقانون، والتي تمس حق المؤلف والمؤدي، ومن الممكن التعديل والتجديد فيه.. وأضاف الدكتور أنه من أسوأ الأشياء أن يعتدي الشخص على حق غيره، وهذه الظاهرة منتشرة وسط الفنانين دون محاسبة أو متابعة. قانون الملكية: وأضاف المستشار القانوني في مجال الملكية الفكرية نادر محمد عبد الله.. إن مفهوم الملكية المحافظة على المجهودات الذهنية للبشر- ونستخلص من ذلك الإستفادة والاستمتاع بهذه الحقوق- فهي داخلة في جميع مناحي الحياة، فنجد أن أول قانون صدر بهذا الصدد في انجلترا عرف بقانون الملكية، وظهرت أهمية الملكية بصورة واضحة بعد ظهور الطابعة الالكترونية التي اخترعها جولدن بيرج، حيث تمكن الطابعون من طباعة أكبر عدد من الكتب في وقت وجيز، وحصلت تعديات على حقوق بعض المؤلفين.. أما في السودان فنجد أول قانون مختص صدر في العام 1974م، وقبل هذا القانون كانت تعالج مسائل الملكية وفق نصوص المعاملات المدنية لعام 1928م تم تعديل القانون لحقوق المؤلف ثم صدر آخر قانون حماية الحقوق والحقوق المجاورة في عام 2013م، ومن أهم سمات القانون أنه تلافى الأخطاء السابقة، وتحدث عن ما يعرف بالإدارة الجماعية لحقوق الملكية الفكرية، وتحدث عن لجنة التسويات والتسجيل الإجباري بالإضافة لفرد باب للفلكلور. وأشار نادر لعدم التوافق بين سمات القانون السوداني مع الاتفاقيات الدولية، والتي وقع السودان كعضو فيها، وهي إتفاقية بيرن عام 1969م التي عدلت في عام 1971م، وأهم التعديلات التي تمت في استكهولم تحدثت عن المادة «15» و «14» عن الفلكلور، فالإتفاقية حددت شروطاً إذا توفرت يعتبر العمل فلكلورياً، وهذه الشروط متمثلة في أن يكون العمل المصنف مجهول المؤلف، وأن يكون المصنف تم نشره من قبل، وأن يكون هناك اعتقاد سائد أن المصنف منسوب لشخص من دول الاتحاد.. فنجد التسجيل الإجباري معمولاً به في كل الدول للمصلحة العامة، ولجنة التسويات عبارة عن لجنة تقوم بتسوية الخلافات خارج المحاكم للأشخاص الذين يرغبون. ü حق المؤلف والحقوق المجاورة: هناك قانون يقوم بحماية حق المؤلف صاحب الحقوق الأصلية كالشعراء والملحنين، وهؤلاء لهم حق التتبع، فقد ورد في قانون الملكية في ألمانيا إذا قام أحد المؤلفين بتأليف موسيقى، فإنه يحصل على نسبة منها طول فترة حياته، وأصحاب الحقوق المجاورة هم الفنانون، والعازفون، وهيئة البث الإذاعي والتلفزيوني، وشركات الإنتاج الإعلامي.. وأضاف في حديثه أن الظاهرة تفشت في الشارع السوداني وأصبحت واضحة في أجهزة الإعلام ولكن القانون حدَّ من ظاهر التعدي على حقوق الشعراء والمبدعين سوى كانت مسموعة أو مقروءة.. مشيراً إلى أنه خلال ال«3» سنوات الماضية ترافع عن «300» ألف قضية بشأن تعديات على حقوق الملكية الفكرية. ü قصص.. حكاوى.. غناوي يحدثنا أحد المستشارين باتحاد عام المهن الموسيقية أنه في فترة من الفترات جاءني ذات صباح أحد الفنانين الكبار المعروفين، طالباً مني أن أمثله في المحكمة ضد أحد الشعراء فوافقت.. ففوجئت بعد ساعة بدخول شاعر يطلب أن اترافع له في نفس القضية، فما كان مني إلا وأن بذلت مجهوداً جباراً لتسوية المسألة خارج المحكمة. ü تبادل خارجي: وفي إطار التبادل الثقافي الفني المنتشر بين دول الجوار، قامت إحدى المغنيات بترديد أغنية مشهورة لشاعر سوداني، ولم تقتصر المسألة على هذا، حيث قامت تلك المغنية بطباعة وتوزيع كاسيت أغنية معروفة كانت ضمن هذا الشريط بهدف تحقيق أرباح تجارية، وما كان من الشاعر إلا وأن رفع قضية في تلك المغنية، وبعد جهد كبير انتهت القضية بالاتفاق الودي مراعاة لخصوصية العلاقة الثقافية الاجتماعية التي تربط شعبي البلدين. ü سرقة أفكار: ويحدثنا الأستاذ مبارك حتة المصور الفوتغرافي العالمي قائلاً.. درج البعض على سرقة أفكار وأعمال الآخرين، دون حفظ حقوق صاحب الملكية الأساسي، وظهرت هذه السرقات بصورة مكثفة على الشبكة العنكبوتية، ومثال لذلك سرقة الصور الفوتغرافية لبعض المصورين، والمشاركة بها في مسابقات بل الفوز بها دون علم صاحب الملكية الفكرية، والسبب في انتشار هذه الظاهر جهل وعدم اشراك صاحب الفكرة، والعمل على حفظ حقوقه عبر تسجيل عمله لدى الجهة التي تكفل له ذلك على حقول المصور وحصانة عمله عبر الملكية الفكرية بايداع رقم متسلسل وشهادة تثبت تسجيل الفكرة أو العمل للمالك الحقيقي لها.. مضيفاً أن هناك عملاً متكاملاً ما بين الملكية الفكرية والمصنفات الأدبية والفنية، وهي جهات تحمي الموهوب أو صاحب العمل تحت قانون منظم يحمي الحقوق.. مشيراً الى أن هناك جهلاً من الفنانين علماً بأن القانون لا يحمي المغفلين والجاهلين به.