1 توطئة: هاك مني أقوالن صحاح لا كلفة .. لا لوم لا لحاح «حقيبة» 2 وبعد فلئن حملت أغنيات الحقيبة التي كان يجلها ويقدرها أخي الحبيب حسن ساتي ، تحمل نبض أمتنا المبدعة بلا كلفة أو لوم أو لحاح ، فقد كان حسن نبضاً وطنياً وانسانياً، رأيناه عبر حياته القصيرة كرجل يحسن فن التفوق على نفسه وعلى الآخرين بقدرة استبصارية عالية ومدهشة على قراءة القادم وايحاءات الحاضر ليصنع من ذلك مدادًا صحفياً وريقاً اعلامياً وبريقاً فنياً تترابط عناصره وتتكامل. عندما كان الأخ الحبيب أهلاً وطريقةََ وحقيقةَ الراحل «أبو وضاح» يمارس توهجه وتميزه على ساحات الفضائيات في وطن تفتقر صحافته الى البعد الدولي، و تعاني مطبات التكلفة ومداخيل الإنتاج وعسف الرقيب، كان يصوب نظره الثاقب نحو تأسيس صحافة وطنية ذات بعد عالمي فكان أبو وضاح وضاحاً في توهجه، وهو يسمي مع زملائه «آخر لحظة» التي كان يصفها بالعروسة فجاء عبر منظوره الحصيف باسم يحمل في طياته عناصر المواكبة والتطور بحيث تظل الصحافة متجاوبة مع إيقاع عصر رقمي متجدد بحيث لا يكون كلب مواكبتك باسط ذراعيه بوصيد عصر لا يحفل بالتقنية وتأثيراتها الكاسحة وضرورة المزاوجة بين إمكانياتها وقدرات الإنسان وإبداعه . وعندما مارس أبو وضاح استقرارًا نسبياً في عاصمة الوطن ، كنا نرى آخر لحظة ساحة فكرية لها في مبانيها منتديات وفي أروقتها برامج ظلت ترفد الحقلين الثقافي والفني بدرر ولآليء متجددة، وكانت في زوايا ذهنه الثاقب أمنيات عراض في مجالات الفن والأدب والكتابة الإبداعية ، كنت أرقبها وأراقبها وأترقبها وأمازحه : على قلقٍ كأن الريح تحتي أوجهها جنوباً أو شمالا. 3 يأخذ الكلام عن أبي وضاح نغمة رِق ومعنى رِقة وتزدحم لدى الحديث عن حسن المعاني التي عتِقت من عهد آدم وكان حسن من قنانها وقنواتها فهل يتخذ الحديث عنه شكل النغم أم القلم؟ أي أنه حلبة تنافس بين المحبرة والكمنجة عبر «سيناريو» هذا الزمن العابر الذي ما فتأ يفجعنا في الأحبة في أحزان تكالبت علينا كقطع الليل البهيم؟ ربما أتخذ الكلام عن حسن ساتي الصوفي ، القروي ، العابد ، القلق ، الزاهد، البسيط، الذكي المبدع شكل نخلة شمالية عالية شقت دربها القاصد من بين كثبان الرمال في العفاض مروراً بدائرة السيد العجيمي في البرصة ومنها الى بوابات العالم الرحبة جدة... القاهرة ..لندن ...نيويورك إنطلاقا من حاضرة الوطن. يتخذ الكلام عن حسن ساتي حكمة الفيلسوف الذي أتى إلى هذا العالم ليختلف معه ويقاتله. وحسن ساتي رقيق كمنديل عرس لا يجرح خداً فكان قتاله للعالم في مجال حركة إبداع هائلة جمع حسن فيها وأوعى صحفياً ومترجماً ومحللاً وكاتباً وشاعراً عبر غيمة أبداع كبير مرت فوق سماء الوطن وأمطرت فوق تخوم العالم وروابيه، ولكن أتى الوطن خراجها. 5 خمس سنوات عربد فيها الحزن الذي فجر القلب والذاكرة وحسن ليس هناك، لا بربطة عنقه الجميلة علي شاشات العالم ولا بشاله البسيط تحت ظلال النيم في دايرة شيخنا العجيمي مع رهط من أهله في خاصرة الجبل العاشق-كلنكانكول... شيخ ساتي وحاج الأمين وشطاب وأحمد عبيد وشيخ علي الفكي وحسين الشيخ وغيرهم. خمس سنوات غاب فيها المداد الفلسفي عن كتابة السياسة بلغة الأدب في سياحات مدهشة عميقة داخل ذات هذا الرجل المشبعة بالقلق الفني وجماليات فراديس لغتنا العربية الجميلة. رحل الزاهد الفيلسوف ابن الزاهدين ذو القلم السيال عاشق الوجدان السوداني . غابت منذ خمسة سنوات قدرة الصحف على الاستبصار وقراءة المستقبل والتوقف لدي لحظة عابرة لكتابة (سيناريو) مدهش عن ايقاعاتها وتداعياتها. رحل الصفاء برحيل الصفاء في عالم معتم كان أبو وضاح وأمثاله يمنحون العذوبة لطعمه الماسخ . 6 أهاتفه من على البعد وأراه فخورًا بجهدي المتواضع ، نحن معاً لأزمنة الوصل والالتئام وأراه كلفاً بأغنياتنا القديمة مرددا مع الأمين علي سليمان«أنا ان أقبل الليل» و«صد عني حبيب» و «جرحي وآلامي» إن قدرة حسن على اكتشاف ينابيع الثراء والتنوع داخله« وتمكنه من الإصغاء بكلياته الى هذا الصوت الإلهامي ووضعه في مسارات مهنية موفقة ككاتب عبقري وشاعر فذ وإعلامي مقتدر لجديرة بأن ننقلها الى الدارسين امتاعاً لأمته ولقرائه لعلنا نأتيهم من سيرة حسن ساتي بقبسٍ أو جذوةٍ من النار لعلهم يصطلون. رحمك الله أبا وضاح.