إن مصانع السكر التي تتباكى الآن على ما ضاع منها، كانت قد تسببت قبل حوالي أحد عشر عاماً في ضياع وحل المؤسسة العامة لتجارة السكر، وهي الجهاز المركزي القومي المكلف بضبط وتنظيم وتوزيع سلعة السكر في البلاد، وتأمين احتياجات المواطنين والقطاعات الأخرى من مصانع غذائية وغيرها على مدار العام، مع الاحتفاظ بمخزون استراتيجي للطوارئ.. وذلك باستلام وترحيل كل إنتاج المصانع المحلية.. شركة سكر كنانة والمصانع التابعة لشركة السكر السودانية.. (الجنيد، حلفا الجديدة، عسلاية، وغرب سنار) وتخزينه بمخازنها المنتشرة على نطاق البلاد كافة، مع سد الفجوة باستيراد أجود أنواع السكر من دول المنشأ (كوبا، البرازيل وغيرها من الدول)، وذلك وفقاً لخطة قومية سنوية تعدها المؤسسة وتجاز من مجلس الوزراء الموقر، وتبنى الخطة وفقاً لمعدلات الاستهلاك المرتبطة بالنمو السكاني والعادات والمؤشرات الاقتصادية، ويشهد التاريخ للمؤسسة بأنها قد أفلحت في أداء رسالتها المهمة والخطيرة تجاه مصانع السكر باستلام وتوزيع كل السكر المنتج، لأن التوزيع حلقة مهمة من حلقات الإنتاج، وتوفير احتياجات المواطنين من السكر الآمن، لأن السكر سلعة غذائية مهمة، ويشكل الفاكهة المشتركة بين الغني والفقير، ويستخدم استخداماً مباشراً وليس كالدقيق الذي تعالجه النار!! ولم يعد يشكل السكر هماً من هموم المواطن والدولة معاً لمدى أكثر من ربع قرن من الزمان منذ إنشاء المؤسسة مطلع عام 1974م باستثناء الفترات القصيرة التي أعقبت حلها عام 1984م وتجميدها عام 1987م، وأخيراً تصفيتها عام 2003م.. لقد واجهت المؤسسة حملة شرسة من قبل مصانع السكر إدارة ونقابة عاملين، إلى جانب اتحاد الغرف الصناعية الذي أدلى رئيسه السابق بتصريح عنيف لإحدى الصحف الكبرى مطلع عام 2001م مطالباً بتصفية المؤسسة في الحال، لأنها قد أذاقتهم الأمرين- على حد تعبيره-! وهو يعني بذلك الضوابط الصارمة التي تضعها المؤسسة من إبراز شهادة الإنتاج المعتمدة من الجهات المختصة، وأن يكون الصرف شهرياً وليس لعدة أشهر، لأن أسعار السكر في السوق الأسود طاعمة!! كما أن أحد كبار المسؤولين بشركة سكر كنانة كتب مقالاً نشرته إحدى الصحف الكبرى في حوالي منتصف عام 2001م، واصفاً المؤسسة بأنها مجرد وسيط (سمسار) يجب إبعادها حتى تتذوق المصانع حلاوة سكرها، مطالباً بتحرير سلعة السكر إنتاجاً وتوزيعاً وليس ذلك فحسب، وإنما طالب أيضاً بحماية مصانع السكر المحلية من السكر المستورد- أي أن سيادته يريد الاستفادة من كفتي الميزان- (التحرير والحماية) رغم أنف المواطن المسحوق!! وقديماً قيل إنك لا تستطيع أن تستفيد من كفتي الميزان ولا أن تكيل بمكيالين، أما السيد رئيس نقابة عمال مصانع شركة السكر السودانية فقد أصدر بياناً مطولاً وعلى صفحة كاملة في عدة صحف آنذاك مسانداً رؤية إدارات المصانع بأحقيتها في توزيع إنتاجها من السكر، وقال إنها الأجدر بذلك كما إن إدارات المصانع نفسها قد نشرت بياناً مطولاً نشر بجميع الصحف الصادرة آنذاك، رداً على مجرد تصريح لنائب مدير عام المؤسسة ورد في ثناياه بأن مصانع السكر لا تستطيع توزيع إنتاجها وهو بالطبع لا يقصد العجز الإداري أو الفني أو المهني أو الإمكانات، وإنما يقصد عجز المصانع من منافسة السكر المستورد في ظل سياسة التحرير وإبعاد المؤسسة العامة لتجارة السكر، وهي الآلية التي تشكل الحماية بالنسبة لمصانع السكر، لأنه في ظل قانون المؤسسة لا تستطيع أيّة جهة استيراد سكر من الخارج، وما رمى إليه نائب مدير عام المؤسسة قد تحقق بالفعل، ولقد سبق قد عانت مصانع السكر خلال بعض المواسم السابقة إغراق السوق بالسكر المستورد.. الأمر الذي أعاق توزيع سكر المصانع، حيث طالعتنا الصحف في ديسمبر 2007م بتصريحات وتحقيقات تكشف عن اتهامات متبادلة بين شركات السكر من جهة واتحاد الغرف الغذائية من الجهة الأخرى، فيما يتعلق بتسرب سكر الصناعات إلى الأسواق ودوره مع السكر التجاري المستورد، الأمر الذي حال دون توزيع كميات كبيرة من السكر المحلي (مكدسة) بالمخازن (250) ألف طن من إنتاج الموسم السابق- أي إنتاج موسم 2006م مضافاً ذلك بالطبع إلى إنتاج موسم 2007م.. وقد وصف السيد رئيس نقابة مصانع السكر الوضع آنذاك بالكارثي قائلاً «ألحقوا ما تبقى من مؤسسات إنتاجية ناجحة قبل الدمار والفشل»، صحيفة (ألوان15/) 12/2007م، أما في هذا الموسم فقد حدثت الكارثة بالفعل، وهذا أمر متوقع لا يجهله إلاّ مكابر ففي ظل سياسة التحرير وإبعاد المؤسسة العامة لتجارة السكر، تكون مصانع السكر قد فقدت الحماية التي كانت توفرها المؤسسة باعتبارها الجهة الوحيدة المنوط بها توفير احتياجات البلاد باستلام إنتاج المصانع وسد الفجوة باستيراد السكر من الخارج وتوزيعه بالسعر المحدد من قبل الدولةو وأن المؤسسة لا تستطيع التصرف في جوال واحد من السكر، كما أنها لا تستطيع وضع قرش واحد على السعر المحدد لطن السكر فضلاً عن أنها ملزمة ومقيدة بتوزيع الحصص الشهرية للولايات وعلى الرغم من ذلك فقد وصفها البعض بالوسيط أو السمسار- كما ورد ذلك في المقال الذي كتبه أحد كبار موظفي شركة كنانة الذي أشرنا إليه آنفاً-!! طالعتنا صحيفة (التغيير) في عددها رقم (129) الصادر بتاريخ 9/2/2014م بتقرير اقتصادي حول مخرجات منتدى سلعة السكر بين التصنيع والاستيراد، الذي نظمته جمعية حماية المستهلك والذي دعا إلى ضرورة وضع سياسات استراتيجية مرحلية لقطاع السكر من أجل المحافظة عليه من الإنهيار، ونادت بدراسة مقترح إنشاء شركة مساهمة لتوزيع السكر في السودان، ومن اللافت أن السيد مجدي حسن يسن وزير الدولة بوزارة المالية أقر بضعف السياسات، وأشار الى أن بيع إنتاجية شركات السكر المحلية لهذا الموسم بلغت (5% فقط) وتوقع حدوث مشكلات هيكلية في صناعة السكر، لكن الأغرب في الأمر والمحير حقاً إن السيد وزير الدولة حمل المؤسسة العامة لتجارة السكر (التي تم حلها) حسب زعمه مسؤولية الإضرار بصناعة السكر!! واعترف بعجزي عن فهم هذا الاتهام الخطير والذي لا محل له من الإعراب، وأن المشكلة التي أمامه الآن تتمثل في فشل مصانع السكر من توزيع انتاجها المتكدس في العراء، تقابله نسبة 5% من المبيعات منذ بداية الموسم في منتصف أكتوبر 2013م وحتى تاريخ المنتدى الذي شارك فيه أي حتى السبت الموافق 8/2/2014م في حين أن المؤسسة العامة لتجارة السكر قد تم حلها وإبعادها بأمر مصانع السكر منذ نحو أحد عشر عاماً!! وفيما يبدو أن مصانع السكر قد زودت السيد وزير الدولة بالمالية بمعلومات سالبة عن المؤسسة حتى تبعد عن نفسها تهمة الإضرار بصناعة السكر في البلاد، لأنها المتسبب في حل المؤسسة لأنهم كانوا يمنون النفس باحتكار سلعة السكر إنتاجاً واستيراداً وتوزيعاً حتى (يتذوقوا حلاوة سكرهم)!! ولكن هيهات هيهات أن ينالوا مرادهم في ظل سياسة التحرير.. صاحب هذا القلم أحسَّ بالخطر الداهم على صناعة السكر وصحة المواطن من استيراد السكر الملوث أو فاقد الصلاحية، في ظل إبعاد المؤسسة والتي كانت بقانونها وسياستها تحمي المصانع والمواطن معاً، صاحب القلم قدم مناشدة لفخامة السيد رئيس الجمهورية لإصدار قرار بعودة المؤسسة العامة لتجارة السكر، وتم نشر المناشدة بصحيفتي السوداني والأهرام بتاريخ 22/11/2011م، وفي الختام لا يصح إلا الصحيح، عفواً سادتي. والله من وراء القصد ü كاتب وصحافي ود مدني