في تقديمه لحكايته للقائه مع المستشار مامون الهضيبي حسب الموعد الذي أبلغه به الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، في كتابه «قلب الإخوان- محاكم تفتيش الجماعة» يقول الخرباوي: كان من المفترض وفقاً لما وقر في يقيني أن لقائي بالمستشار مامون الهضيبي سيكون ثرياً له قيمته.. فالرجل يحمل فوق كتفيه تاريخاً ويختزن في مكنون ذاته كماً متنوعاً من المعارف القانونية والخبرات السياسية والتنظيمية.. إلا أنني تذكرت عند لقائي الأخير معه ذلك المثل العربي الذي يقول «ليس كل ما يتمناه المرء يدركهُ».. ويبدو أن معارف الانسان وخبراته قد تكون عبئاً عليه- أو يكون عبئاً عليها- إن لم تكن له بصيرة وسعة أفق، كذلك الجواهري الذي وهبه الله ذهباً وجواهر نفيسة، فقذفها في اليمِّ إلى غير رجعة. يروي الخرباوي، بشكل درامي، مشهد لقائه مع الهضيبي، فقد كان لقاء جافاً ومأزوماً خلا من كل أعراف الترحيب وأصول الضيافة المعتادة أو حتى الشكلية عندما يتوجه شخص لزيارة الآخر في داره. يقول الخرباوي: كان المستشار هو من فتح له باب فيلته، ونظر إليه بدهشة، ثم دعاه للدخول بكلمة مقتضبة، وبعد أن اتخذ الخرباوي مقعده في الصالون قال له الهضيبي بصوته الحاد الرفيع وهو لا يزال واقفاً: «ما الذي جاء بك إلى هنا؟»! تعجب الخرباوي من السؤال وارتبك.. لكنه رد عليه بهدوء: هناك موعدٌ بيننا اليوم على ما أظن.. هكذا قال لي عبد المنعم أبو الفتوح.. فواصل الهضيبي حديثه قائلاً بعد أن جلس على أحد المقاعد المواجهة له: لا علاقة لي بما تظن، كان موعدنا أن تأتي لي في مكتبي في «الشُغُل» بعد صلاة ظهر اليوم، وقد انتظرتك ولم تأت. ü ظهرت على وجه الخرباوي مخايل الدهشة، وادرك حينها- كما قال- معنى عبارة «فغر فاهه» التي يكتبها الأدباء وقال للهضيبي متسائلاً: شُغُل.. أي شغل؟!!.. فقد كان يعلم أن المستشار مامون «على المعاش» لا يعمل في أية جهة وأنه متفرغ للإخوان، لذلك أدهشه أن قال له إنه كان ينتظره في مكتبه ب«الشغل»، لدرجة أنه تخيل أنه دخل بيتاً آخر على سبيل الخطأ. ü لكن الهضيبي لم يتركه ليلتقط أنفاسه، فعاجله بالقول: الشُغل، ألا تعرف الشغل؟! ألا تعرف مكتبي في «المْنَيل» بمقر الجماعة؟ ألا تعرف أن «شُغلتي» هي «نائب المرشد».. تجاهل الخرباوي السؤال، بعد أن ظهر له الرجل في صورة لم يكن يتمناها، ثم قام واقفاً متأهباً للانصراف وقال له: اعتذر عن اقتحامي وقتك ولكن يبدو أن عبد المنعم اختلط عليه الزمان والمكان، فقد أخبرني هذا الصباح أنك تنتظرني في بيتك بعد صلاة العشاء، وقد وفيت بموعدي وإن شاء الله سآتي إليه في وقت آخر في «الشغل»! ü لم يأذن له الهضيبي- وكأنما تذكر شيئاً- فأشار إليه بيده يأمره بالجلوس وهو يقول: أقعد.. أقعد.. أتظن أن دخول الحمام كما الخروج منه!.. فجلس الخرباوي إذعاناً لأمر نائب المرشد، بينما طَفَتَ على وجهه ابتسامة استغراب، مبعثها أن الرجل يعتبر بيته حماماً، كان من المفروض أن يدخله بقدمه اليسرى وهو يقول «اللهم أعوذ بك من الخبث والخبائث».. وبعد أن تفرس في وجه المستشار أدرك أن الرجل يتبع معه سياسة «كسر الأنف والارباك»، وهي خطة يعرفها الملاكمون- خصوصاً والرجل قد مارس الملاكمة في طور شبابه.. ويبتغي من يتبع هذه السياسة كسر عناد من يحاوره واصابته بالحيرة والارتباك لينهزم نفسياً قبل أن يبدأ المفاوضة.. فقطعاً كان عبد المنعم أبو الفتوح واعياً لموعد اللقاء ومكانه. لكن الهضيبي- رحمه الله- بدهائه وأد أي معارضة قد تبدر من الخرباوي، فاتخذ هذه الخطة لاشعاره بأنه قد اقتحم بيته دون موعد، ما يجعله يجلس في حالة خجل تلجمه عن المناقشة أوالمعارضة. ü بعدها بلحظات، ارتفع صوت المستشار منادياً: يا هشام هات لنا زجاجتين من «الكولا».. قاطعه الخرباوي، النافر والمُستنفر، قائلاً: لا داعي، فاستفهم الهضيبي: لماذا لا داعي.. نحن عرب، والكرم واجب.. قالها ثم أعاد النداء لابنه هشام لاحضار «الكولا».. فقال له الخرباوي بتؤدة: صدقت.. نحن عرب، لذلك لا داعي لمشروب «الكولا»، فكما تعلم هناك مقاطعة للبضائع الأمريكية والاسرائيلية والكولا من مشروبات المقاطعة.. فرد عليه الهضيبي بسؤال استنكاري: آه.. هل أنت منهم؟.. هه أنت من أنصار المقاطعة؟ قالها بلهجة متهكمة، فرد عليه بذات لهجته: نعم أنا منهم، ولكن يبدو أنك لست منهم! تجاهل الهضيبي تعقيبه وأعاد النداء لابنه هشام: هات شاي.. شاي يا بني وأحذر أن يكون من أنواع المقاطعة.. فالاستاذ مقاطع! ü ثم دخل الهضيبي إلى موضوع اللقاء بدون تمهيد قائلاً بلهجة «يشوبها الاستعلاء» بحسب وصف الخرباوي: أنت أخطأت في حق «الجماعة» يا ثروت.. ويبدو أنك لا تعرف ما قاله حسن البنا.. قال نحن جماعة انتظمنا في صفٍ واحد، فإذا خرج منا واحد لن يقول الناس خرج واحد، ولكن سيقولون «صف إعوجَّ».. وقوفك مع سامح عاشور كان خطأ، ومحاولاتك المستمرة التي تسعى من خلالها إلى دعم سامح ونقض تحالفات من اتفق معنا خطأ.. سامح ليس رجل الحكومة ونحن نسعى للتحالف مع من يستطيع أن يقربنا من دوائر صنع القرار ورجائي هو رجل الحكومة، وهو من سيقوم بهذا الدور ولكنك أفسدت علينا خطتنا.. وأي شخص قريب من دوائر السلطة العليا سنتحالف معه ولن نقبل أن يخرج أي واحد منا على هذا القانون.. هذا هو دستور الجماعة.. وأنت رجل قانون. ü رد عليه الخرباوي بقوله: قانون التحالف مع من يكون قريباً من السلطة أظنه الممكن أن يكون «وسيلة مرحلية» وليس «دستوراً دائماً». فظهر الضيق على وجه الهضيبي الذي قال وقد نفذ صبره: لا تجادلني.. أنت رجل قانون.. لماذا وضعت الدولة قانون المرور.. طبعاً حتى لا تتصادم السيارات.. ماذا لو أقام أحدهم بناية دون ترخيص من الحي وفقاً للقانون.. سيصبح الحال فوضى.. هناك قانون للعقوبات.. من يخالفه قد ارتكب جريمة أليس كذلك؟ ü تنفس الخرباوي الصعداء وأجاب باصرار وجرأة: لا ليس كذلك، فانتقلت الدهشة لوجه الهضيبي الذي قاطعه بسؤال واستغرب: ماذا تقصد؟! فرد عليه الخرباوي قائلاً: هناك مواد في القانون «الجنائي» تتم بموجبها محاكمة «الإخوان» مثل المادة (86) من مدونة العقوبات.. وبالمناسبة الإخوان يخالفون هذه المادة ويرتكبون بمخالفتهم هذه جريمة انشاء تنظيم دون أن يكون لهذا رخصة من الجهات الرسمية.. فإذا كان قانون «الجماعة» في رأيك يجب احترامه كما نحترم قانون المرور وقانون العقوبات، فحينئذٍ يجب أن نعلن عن حل الجماعة لأنها تخالف قانون الدولة، لأنها نشأت بدون رخصة كما النفايات التي تنشأ من غير ترخيص، وإلا لأدت هذه المخالفة، إلى اصطدم السيارات ووقوع الحوادث واشاعة حالة فوضى.. أليس كذلك؟! ü لحظتها هب الهضيبي واقفاً وهو يقول بعصبية وحدّة: المقابلة انتهت، فخرج الخرباوي من الجماعة إلى غير رجعة كانت محطة المواجهة الثانية بين الخرباوي ونائب المرشد الهضيبي على صفحات الصحف، عندما كتب الخرباوي سلسلة مقالات ناقدة للجماعة بجريدة «صوت الأمة»، بعد خروجه من الجماعة في عام (2002)، وأورد في المقال الأول نقداً لما ورد على لسان الهضيبي اثناء ندوة بمعرض الكتاب منتصف التسعينيات من أنهم «كانوا يتعبدون (بالنظام الخاص) إلى الله قبل الثورة» والنظام العام هو التنظيم السري للإخوان الذي مارس الإغتيالات لشخصيات معروفة منها النقراشي رئيس الوزراء والقاضي الخازندار وغيرهم وانتهت أعماله إلى اغتيال حسن البنا نفسه. لكن الهضيبي كذَّب الخرباوي وقال إنه لم يقل ذلك، مستشهداً بتفريغ شريط التسجيل الذي لم ترد فيه العبارة، لكن الخرباوي وبعد جهد جهيد استطاع الحصول على شريط الفيديو الاصلي، الذي يثبت صحة ما ذهب إليه، ولم يرد على الهضيبي وإنما أوكل الأمر لصحيفة صوت الأمة التي نشرت مقاله فخرجت الصحيفة بعنوان كبير يقول «الهضيبي يرد على الهضيبي» وثبتت رد الهضيبي الذي يتهم الخرباوي بالكذب والتلفيق وفي مواجهة تفريغ شريط الفيديو يحمل أقوال الهضيبي عن «النظام الخاص».. عندها لم يجد نائب المرشد ما يقول، وذهب الخرباوي إلى حال سبيل وبدأ يفتح «الصندوق الأسود» ويكشف عن مكنون «المعبد» وأسراره.