أعيب شخصنة القضايا ومواضيع الساحة ساخنة .. تقرير-عيسى جديد بات الكاتب الصحفي عثمان ميرغني رئيس تحرير الزميلة صحيفة التيار مثيراً للجدل رغم أنه مهندس في المقام الأول.. لكن الرجل صاحب ربطة العنق التي اشتهر بها دون سائر رؤساء التحرير، يخفي كثيراً من الكلام خلف نظارته الطبية، ولعله يحاول (تطبيب) الواقع بكلماته من خلال عموده المقروء (حديث المدينة).. آخر لحظة أجرت معه هذا اللقاء قبل حادثة الإعتداء عليه أمس الأول، وكان الدافع لذلك معرفة كيف يفكر عثمان وهو يكتب؟ وكيف يوجه رسائله؟ وهل وصل حديث المدينة الى المدينة؟ حتى ظل تحت دائرة الضو بتلك الصورة التي جعلته محل هجوم. زاوية في الذاكرة يقول عثمان إن عموده (حديث المدينة) حظي بالقبول في (الوان) وكان له أثر ومردود بائنين مقارنة بالأعمدة الموجودة حينها، وعزا ذلك الى توفيقه فى الكتابة بفضل الله أولاً والى الترويج الذي كان يقوم به الأستاذ حسين خوجلى للعمود.. ولذلك مثل العمود حالة تحدى يومياً في أن أكون في الحدث وأن يكون العمود ذا أثر وعن أول عمود يقول كان موسوماً ب (النار بدارك شبت) وهو مقطع من اهزوجة شهيرة وقتها تحدث فيه عن نار شبت في إحدى داخليات الطالبات، وكان الوصف مؤلماً جداً ومؤثراً للحادث، فاتصل عدد كبير جداً من القراء والمسؤولين متجاوبين مع العمود وبناءً عليه اجتمعت مجموعة من الأكرام وكونوا جمعية أسموها منظمة الرأي العام الخيرية مهمتها رعاية الطالبات الجامعيات، وكانت منظمة نشطة جداً وقدمت مساعدات ضخمة جداً للطالبات، وكنت سعيداً بما حققه العمود في مساعدة الطالبات مواصفات العمود الناجح: ويقسم ميرغنى العمود الى جزءين الأول يتعلق بالفكرة ولابد أن تكون حاضرة ليستطيع القارىء أن يحس بها بصورة سريعة والثاني عرض الفكرة وطريقة كتابتها وهي أشبه بمطالبة لاعب كرة باللعب داخل غرفة مما يتطلب منه توافر المهارات أكثر من المطلوب توافرها في ميدان، وبالتالي الكاتب مطالب أن يبرز كل مهاراته الكتابية في ترويض الفكرة وإحراز هدف مباشر لدى القراء في فهم العمود والتفاعل مع فكرته، ويمتدح عثمان القاريء السوداني ويصفه بالذكي والمستنير، الذي يبحث دائماً عن قضية مركزية في كل الأعمدة التي يقرأها ويحدد لمن يقرأ. بين المهنية والانتماء وبشأن وقوع بعض كتاب الأعمدة في فخ الانتماء الحزبي والتحيز يرى عثمان أن الأفضل للكاتب الانتماء للقضية وليس للجهة أو الطائفة أو الحزب، وهذا ليس بأن يكون ادعاء في الانتماء بل أساس وقاعدة له.. ويعيب محدثي مسألة (شخصنة القضايا) في الأعمدة واعتبرها ظاهرة غير مقبولة حيث يتناول بعض الكتاب مسائل شخصية ويقعون في هذا الفخ حين يكون له معركة مع شخص معين، وعلى طول الخط يكون موقفه ثابتا لا يتغير، الأمر الذي لايعود بالنفع على القاريء . وعن فضاءات العمود وتفاصيلة يقول أنها تأخذ أهمية الموضوع للقاريء، فقد يكون خبراً صغيراً لكن هنالك تساؤل حوله أو قضية ما، وهناك رأي عام حولها وإذن الاولوية للقاريء واذكر انني أحياناً أكتب عموداً وانتهي منه ولكن يأتي حادث أو خبر مهم، فاكتب عموداً ثانياً مرة أخرى عوضاً عن الأول تماهياً مع الحدث، واذكر أنني غيرت عمود بالليل في صحيفة الرأي العام الساعة الواحدة صباحاً لأن الحدث كان يستحق أن نكتب عنه في حينه، إحتجاب الكاتب واحدة من المسائل السيئة في نظر عثمان دون سبب مقنع مثل المرض أو حذف الرقابة.. وقال لدي تجربة في الرقابة فمرات أكتب عموداً ويحذف وأكتب مرة أخرى ويحذف، وأحياناً يكون الاحتجاب للسفر.. وعاد وقال حتى في السفر أراسل الصحيفة، وكان أغلى عمود ارسله من كوريا عبر الانترنت كان يكلفه(66) دولاراً في اليوم باشتراك يوم كامل لارسال عمود في خمس دقائق، وعن طيب خاطر كنت أدفع يومياً لمدة (15) يوماً لم احتجب وهي قيمة أعلى مما يدفع لي حينها بقيمة الدولار... ويشير الى حديث متداول في الصحافة عن مكان العمود المميز بأن يكون في الصفحة الأخيرة بعد أن يترقى ويكتسب الخبرة، وأكد أن ذلك ليس صحيحاً مستدلاً بعمود الأستاذ الكبير محجوب محمد صالح الذي خصصت له مساحة في الصفحة الخامسة لسنوات طويلة، ويعتبره عثمان من أفضل الأعمدة في الصحافة، وقال المهم موضوع العمود وفكرته وليس مكانه بين الصفحات. وعن تكنيك كتابة العمود هنا مقارنة بالصحافة العربية يقول إن العمود في الصحافة السودانية مؤثر جداً وأحد أدوات تشكيل الرأي العام، وهذا دليل على أن الشعب مستنير وقاريء جيد مقارنة بالصحف العربية ضعيفة التأثير مثال صحيفة الشرق الأوسط توزع في كل أنحاء العالم تطبع في لندن، وتصرف عليها أموال طائلة وفيها كتاب لهم أسماؤهم، ولكن عندما تقارن اي عمود بها بعمود أصغر صحفي سوداني خبرة تجده متميزاً في الفكرة والتناول الصحفي، وهذا دليل على أن بيئة الصحافة السودانية جاذبة، والمواضيع ساخنة ورغم تضييق الحريات تظل الموضوعات محل ترقب وانتظار. ويميل عثمان الى العمود الكتلة صاحب المقدمة الجاذبة والمتن الشارح للفكرة، واخيراً الخاتمة التي توصل الفكرة لأن أسوأ شيء- كما أوصى به الكتاب الشباب الصحفيين- أن تتوه فكرتهم في الخاتمة ويظل القاريء في محل السؤال (هو الراجل دا عايز يقول شنو...) إذ لابد أن يصل الى نقطة النهاية مثل ضاغط الفرامل للسيارة عند التوقف، لنعرف بأننا وصلنا الى النهاية.. وهنا بالفعل أوقفنا أسئلتنا مع المهندس والكاتب الصحفي عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار.