وكان يا أحبة أن يكون عنوان مقالنا هذا هو (عودة دكتور نافع) ولكن تأدباً اخترنا أن يكون العنوان أعلاه هو الأنسب فقط لأن عنوان (عودة دكتور نافع) ربما نفضت غباراً عن ذكرى أحباب كثر كانوا يرتادون (السينما) التي وأدتها الإنقاذ عمداً ومع سبق الاصرار والترصد، فقد كان هناك فيلم لن تبارح تفاصيله وصوره وأحداثه ذاكرة المشاهدين وكان اسم الفيلم (عودة ديجانقو). لقد غاب الدكتور نافع طويلاً عن الحراك الكثيف المصور والمكتوب والمشاهد عبر الإعلام، وذلك لأن الرجل وبعد أن ترجل عن صهوة جواد الرجل الثاني في المؤتمر الوطني، وبعد أن بات نشاطه خارج أسوار الوطن، وبعد أن صار مسؤولاً عن شأن وشؤون الأحزاب الافريقية حتى (اشتقنا والله) لتلك المدفعية اللفظية ذات كثافة نيران الكلمات الهائلة التي ظل ولمدى ربع قرن من الزمان يمطرنا بها بغير شفقة ولا هوادة، نعم والله اشتقنا لسماع نعوت كان يفصلها بالمقاس للمعارضة ويلبسها لها من نوع (لحس الكوع) و(اولاد الحرام) و(الأموات) و(بغاث الطير)، وها هو الآن وفي هذه الأيام العاصفة التي تنتظم المؤتمر الوطني وهو يعيش (أفراح) أو (أتراح) مؤتمره العام وحرب ضروس صامتة وظلال من ترقب ونذر عواصف وخوف من تشقق بنيانه، و(الاخوان) يذهبون لانتخاب الولاة في معركة ساخنة لسنا طرفاً فيها ولا ناقة ولا جمل لنا فيها، ولكن فقط ننتظرها في شوق وشغف لنتفرج في متعة على صراع العمالقة لنرى من الرابح ومن الخاسر. يعود الدكتور نافع هذه الأيام وكان أول (غيث) ظهوره مقال على صفحات البهية الأنيقة (الرأي العام) ثم الظهور المفاجئ في حفل عرس الأحباب في أبو سعد، الذي شرفه الوالي وبعد.. والولاية تطوي ملف أراضي (أبو سعد) ونبدأ يا أحبة بالمقال الذي كتبه الدكتور نافع على صفحات العزيزة (الرأي العام)، وصدقوني فقد كنت في لهفة تحرق عاشق لموعد مستحيل.. حمدت الله كثيراً وأنا أقول في سري.. رائع وبديع أن يخاطب المسؤول اي مسؤول شعبه أو مواطنيه عبر الكلمة والحرف والعبارة.. وحلقت بي الأماني الى مجرات بعيدة وأنا أتمتم قبل القراءة أن الرجل وبما أنه عايش وتعامل مع الأفارقة الحزبيين سوف يخاطبنا بمفردات ناعمة ومموسقة، مثل الذي كان يكتبه سنغور رئيس السنغال، وتيقنت بل رددت في سري أن الدكتور لن يخاطب المعارضة وعبر مقال، وفي أحشاء حروف مثل ذاك الذي كان يطلقه في الاحتفالات وعبر الهواء الطلق وخلف الميكروفونات مثل (لحس الكوع) واخواتها، وأخذت الصحيفة وأرسلت لمقال الرجل عقلي وقلبي وعيوني، فأدركت أن الدكتور قد عاد كما هو لم يتزحزح بوصة واحدة عن صندوق مفرداته لم يدهن كلمة واحدة بطلاء أو حتى تلميع جاءت كل كلماته، كما الطلقات المندفعة من فوهة ماسورة بندقية.. جاءت كل حروفه وهي تتسربل بالتحدي والاستهانة بالخصوم.. كثافة نيران كلمات هائلة اطلقها تجاه المعارضة.. دعوة متأصلة للمبارزة والمنازلة.. حتى أبيات الشعر التي زخرف بها مقاله كانت وكأنها حروف صنعت في خضم معركة.. فقد اختار الرجل أبياتاً من فروسية وغبار قتال فكتب: نحن اللي المحن بنشيلا ما بنبالي بنلوك شرهن لامن يجينا الحالي ويواصل خوضه للمعركة مع المعارضين وهو يشكو حزنه أو حظه لا يفرق، فيكتب في مرارة ولا ينسى بأن يحلي بسباب داخل الجملة، مصوباً له في صدور المعارضين.. والدكتور يكتب (أشد وجعاً ان يكون خصمك جباناً غادراً وكذوباً يحاربك بالبهتان والتدليس). وغداً نتلاقى.