في زمان مضى ..وعندما كنا في زمان نتملس فيه مواضع الجمال في الغناء السوداني ..ودواخلنا عامرة بأحاسيس جديدة ..وأحلامنا ترتبط بما يكتبه الشعراء ..وما يأتي من آهات وأنات الموسيقى ..كنا نشعر بفخر كبير عندما نسمع عن وصول صوتنا الغنائي إلى دنياوات أخرى لا تعرف عنا غير مفردات الجوع ..والفقر والحروبات وخصومات لا تنتهي! * أذكر أنني وعندما كنت أبحث عن مواطن الجمال في الفن السوداني ..وأغوص في أعماق بحاره إكتشافا لأسراره ..مثل كل صبي غمرته أحاسيس جديدة .. أهداني والدي عليه الرحمة ثلاث تسجيلات مدهشة ..عندما سألته ذات يوم عن حدود الغناء السوداني! كانت تلك التسجيلات المدهشة ..لحفلات أحياها الفنان الأديب ..عبد الكريم الكابلي بلندن ..حيث كان يعتبرها والدي عليه الرحمة ..الرد الوافي والشافي لسؤالي عن حدود الغناء السوداني! وقبل هذه التسجيلات ..كنت أسترق السمع إلى الغناء الجميل من مكتبته الرائعة ..التي لا تزال تقف في ركن شامخ بصالونه الذي لا زال يضج بضحكاته..ويتنفس نفسه ..ونعيش وسط كل ذلك بحزن عميق!عرفت صوت الكابلي من خلال سماع والدي رحمه الله لتسجيلاته ..حيث سمعت الجندول ..وآسيا وأفريقيا ..وشذى زهر ..وضنين الوعد ..تماما مثلما سمعت رائعة الحسين الحسن ..تفشى الخبر ..وغيرها من أغنيات تحتل مكانا ذهبيا بمكتبة الغناء السوداني! من خلال الألبوم المخملي ..بلونه الأحمر المميز ..سمعت الفنان حقا..عبد الكريم الكابلي يعرف نفسه بإنجليزية وسيمة ..وصوت جميل أن تغني..أو تحدث ..أو حتى عندما يصمت!! وبعدها إنسال صوت الكابلي كما الجندول ..وعرفت معه في ذلك الوقت سحر فينيسيا ..وكأنني أراها اليوم ..حتى يخيل لي في بعض الأحيان أنني عشت فيها أياما ..وأنا الذي لم أصلها حتى بخيال الشعر الذي يرتاد الثريا! كان ردا بليغا لسؤال حائر من دواخل لم تكن تعرف غير ذياك الحب المعطر في الغناء بأريج الإحساس الجميل..وهكذا كان دائما والدي ..لا يمنحك إجابه مباشرة ..ولكنه يمنحك مساحة للقراءة والوصول إلى إجابة أي سؤال من الزاويا التي تحب أن تراها أنت لا كما يغرسها بدواخلك! من ذلك اليوم ..كنت أبحث عن تجارب مماثلة ..وسط ظروف شبيهه ..وكما كانت سعاتي تكبر عندما سمعت عن حفلات محمد الأمين بالخليج ..وكيف أنه ألهب مشاعر غير سودانية ..بعوده الناعم ..وصوته المتفرد ..تماما مثلما خلب ألبابهم (بناعم العود) بخليجية إمتزجت بصوت سوداني طروب وتمددت حينها مساحات الفخر ..عندي ..وبت أسعد كثيرا مثل أي سوداني..بإندياح صوتنا السوداني الجميل ..وسلمنا الخماسي المدهش ..في كل جنبات الكون ..فكانت رحلات الخارج تعني تمثيل الوطن ..وما أجمل أن تكون سفيرا تحمل جواز فن عامر بالحب للآخرين! الآن ..وفي زمان رحلات نيجيريا ..لم يعد الحديث جاذبا عن سفر الوفود السودانية ..وتحديدا إلى تلك المنطقة التي لا أدري لماذا أشعر أن خاطرنا يجرح فيها ..وكرامتنا تتعرض للذل ..ورقابنا تكاد تلامس أحذية من يتاجرون هناك ..بحثا عن مال منثور على الأرض ..حتى وإن كانت أرض مسرح ينطق بلسان سوداني!! أنفاس متقطعة! لم يعجبني ظهور أديبنا الفنان كابلي في إحدى الفضائيات السودانية وهو يراقص فتيات أثيوبيا! % عد إلى الجندول ..وأحكي لنا عن أسيا وأفريقيا ..فقد تفشى الخبر ..وذاع وعمر القرى والحضر ..برغم الحصون!