رغم انى لم ألتحق بوظيفة حكومية بعد التخرج وكنت قد نافست على وظيفتين واجتزت إمتحاناتهما وتبقت المقابلة الشفهية والوظيفتان هما ضابط إدارى ومحرر فى وكالة السودان للأنباء فقد فضلت حينها الإغتراب وكان حلم الشباب عند نهاية سبعينيات القرن الماضى . لم أستمر طويلاً فى العمل الخارجى وعدت للسودان ملتحقاً بالهيئة القومية للكهرباء فى وظيفة ضابط إعلام لها . الهيئة القومية للكهرباء رغم تدنى انتاجها من الكهرباء وبالتالى كثرة قطوعاتها المبرمجة وغير المبرمجة إلا أنها كانت نموذجاً لأنظمة الخدمة المدنية التى أفادنى نظامها فائدة عظيمة فى الإلمام بقوانين وقواعد العمل ولوائح الخدمة المدنية ونظمها . كان الكادر العامل فى الوظائف الإدارية من الجيل الثانى الذى عاصر الإدارة الإنجليزية لمرفق الكهرباء يعتزون ويباهون بعملهم تحت إدارة المستر فلان والمستر آلان ورغم سودنة الوظائف إلا أنه وحتى بداية الثمانينيات الماضية كانت أثار الإنجليز باقية فى الإستمارات وأذونات الصرف وتقارير الأداء . كان على رأس العمل ممن ذكرنا شعراء وملحنون ومطربون فمثلما يحفظون اللوائح ويقدسون النظم وينصاعون للنظام كان النصف الحلو ينضح بالإبداع . الشاعر محمد على جبارة وابداعاته بشعره للأغنيات الأولى التى ظهر بها الفنان محمد الأمين ومحمد على جبارة كان موظفاً كبيرا ًاخر عهدى به مديراً للمراجعة الداخلية والفنان الملحن علاءالدين حمزة الذى شنف أذن السامع السودانى بروائع ألحانه لكبار الفنانين كان مديراً لشئون الأفراد والفنان الكبير عبيد الطيب كان مسؤولاً عن بعض مناحى التدريب الصناعى النظم الإدارية والرقابية والمحاسبية كانت هى التى تقود العمل من خلال كادر بشرى مؤهل ومتمرس والعمل يقوم من أسفل الى أعلى كل واجب تنفيذى له مجموعة حتى يصل الى قمة الهرم سلاسة فى الإنتقال من درجة الى أخرى من درجات المسؤولية . قيض الله لنا أن نلحق الخدمة المدنية المعافاة لحد كبير فى آخر عقودها لاموظف صغير يتجرأ ويتطاول على مرؤسيه ولارئيس يستجدى موظفاً صغيراً حتى لايفقد وظيفته . قبل أيام سردت قريبة لى واقعة بعد أن جاءت لتستقر فى بلادها بعد أن ساءت معاملة الدولة التى يقيم بها عدد كبير من السودانيين وتحت رعاية الحكومة وتوجيهات قياداتها فى أن يتم تيسير عودة المواطنين من هذه الدولة خاصة مايتعلق بالحاق أبنائهم بالمدارس والجامعات ذكرت أن أحد المسؤولين فى احد المكاتب الحكومية الرسمية وبعد أن قدمت له مكتوباً يحوى توجيهاً رئاسياً زجرها وقال لها بالحرف الواحد « خلى الرئيس يجى يقبل ليك بنتك » . مثل هذه الردود التى لا تراعى حدود الوظيفة العمومية واحترام رؤساء العمل وتوجيهاتهم دعك عن توجيهات رئيس الدولة أو من ينوب عنه او من يمثله ثمرة من ثمرات تجاوزات وانتهاكات كثر ضربت الخدمة المدنية فى بلادنا بعد أن صار بعض الموظفين الصغار وبدعاوى الإنتماء الحزبى أو الانتساب للأجهزة الأمنية يديرون الكبار ويرهبونهم او هكذا يشيعون بأنهم سيبلغون عنهم فلان وفلان أمثال هؤلاء لاتقدمهم الأجهزة الحزبية والتنظيمية والنظامية ولاتفوضهم لأداء أى مهام خارج اطار الوظيفة العمومية ولايشرفها أن يكون منتسب لها يصعد على أكتاف الأخرين ومما يؤسف أن قلة من الكبار يفسحون لهم الطريق ليتفسحوا فى مؤسساتهم ويشيعون فيها روح الكراهية والخوف . هل يعقل أن يتجرأ موظف عمومى على قيادة بلده ويسخر من قرارات تصدرها واجبة النفاذ ليست سخرية فحسب وإنما معارضتها والاصرار على عدم تنفيذها. . فى السودان فقط .