كم هي لذيذة طعم الدموع المالحة.. وكم هي حلوة.. ساعات السهر الطويل.. وعاشق مهجور مهزوم يساري باكياً النجم في الظلم.. ويا لبهاء خيول الشك والخوف والسهد والشكوى والنحيب والأنين وهي تجتاح مجنونة.. فضاء عاشق خاسر وحزين.. ويالسحر وروعة الحرمان.. التي تتفجر حروفاً.. وإبداعاً.. وأنغاماً.. وأبهاراً.. ولحناً.. أنا لست شريراً.. ولكني.. ظللت أبداً أستجدي خالق الكون.. وواهب الحياة ورافع السماء بلا عمد.. أن تستشهد.. قصة حب كل مبدع.. شاعر وفنان على صخور وجبال وتلال الفجيعة.. وأن تغرق في لجج بحار الحرمان والقطيعة.. عندها سوف.. تهطل دموع .. العاشق الشاعر.. مطراً.. ويشتعل سماء الدنيا.. نجوماً تطرز زرقة السماء.. عندها يكون الشاعر.. منديلاً رطيباً يجفف دموع الخاسرين عشقهم.. وليست الهزيمة .. هزيمة الشاعر.. شراً مطلقاً.. بل خير متدفق.. وها هي الكنوز.. من البدائع والروائع... إرثاً إنسانياً.. تركه لنا .. جميل، وعنترة، وابن أبي ربيعة.. بعد أن اقتلعت أوتار خيامهم.. صرصر.. الجفاء.. والصد.. والهجران.. من محبوبات.. لهن الفضل.. فيما نعيش فيه من بهجة ونعيم المتعة.. أشعاراً تُسِيل حتى الإسفلت.. وتُذِيب حتى الجرنيت.. ولا أرى.. في وطني المحبوب.. من صور الفراق.. والبعاد والخسران.. بكاءً ونحيباً ونواحاً مثل محجوب سراج.. لن أنسى.. تلك الليلة المحفورة في تجاويف صدري.. وثُلاثيٌّ أرسله الله رحمة بالخاسرين: يُبدع.. ويرسم بالكلمة واللحن والحنجرة.. مناحةً على خشبة المسرح القومي.. في منتصف ستينات القرن المنصرم توقفت عندها.. فروع الأشجار من الاهتزاز معاندة الرياح.. وتوقفت موجات النيل مشدوهة من الارتحال.. وتسمر الحضور على مقاعد المسرح.. وكأنهم تماثيل من الشمع.. وكلمات محجوب النازفة من وريده والشريان.. والسني الضوي الفنان يهبها لحناً من عصبه.. ودمه.. بل روحه وإبراهيم عوض.. يصدح أو يبكي.. أو ينوح.. أو لعله ينتحب بل هو يجهش بالبكاء.. والدموع في (الصالة) تتجمد في المآقي تلمع مع الأضواء وكأن كل عيون الحضور.. وكل العيون هو معرض حبيبات كرستال، و: ليه بتسأل عني تاني.. من حياتك كان حياتي كنت أجمل أمنياتي عهدي راح ما أظنه آتي ما فضل غير أغنياتي وفيها أكتب ذكرياتي مرة أضحك ومرة أبكي ومرة إتحمل أساي مرة أهرب منو واشكي واعتبر حبك حكاية عشت فيها بكل روحي وارتضيت سهدي وجروحي كنت داري وكنت توحي.. والطفيت يافور زماني.. وصمتٌ.. أكثر سكوناً من صمت القبور.. يلفّ الصالة.. ورعب يجتاح الدنيا.. وليس شيء غير أن القيامة قد قامت.. لا شيء غير أنك تحس بأنه اليوم الثامن.. لا شيء غير أنّك تحس بأنّ الأرض.. تتلفح بالسواد وتتسربل بالرماد.. كيف لا وأنت تحسّ بأن الضياء والنور قد انسحب من الكون.. وماذا تنتظر.. بعد (والطفيت يانور زماني) .. لا شيء.. لا شيء.. لا شيء مطلقاً.