ما يحمد للبرلمان في جلسة 2015/1/6 الموقف الجديد في مناقشة نسب توزيع العائد الضخم لمباع البضائع المصادرة، بين هيئة الجمارك ووزارة المالية الاتحادية مناصفة أي بنسبة 50% لكلٍ، والبلاد تواجه أوضاعاً اقتصادية غير جيدة، وحروباً استنزافية ومهددات أمنية، وأزمات مختلفة، وطموحاً عاليا في نهضة تنموية لمستقبل مشرق قوي!؟ ولهذا ما تقضي التوسع في فتح قنوات الحوار والمشاركة في ساحات الفكر والمعرفة المتوفرة بوسائل الإعلام والإتصال المختلفة، وما يؤسف له غياب ممثل للجمارك في تلك الجلسة، والإكتفاء بإيداع مذكرة مدعومة بدفوعات قانونية كسند لنسبة ال 50%. الأستاذة عائشة الغبشاوي أنابة المجموعة المؤيدة لابقاء النسبة كما هي، خوف الفساد الوظيفي، وتلبية الاحتياجات، واستمرار التحفيز، والأستاذة عواطف محمد علي الجعلي؛ البت بتقصي الحقائق، والحصول على معلومات دقيقة، وقانونية حول هذه النسبة، مستفسرة عن كيفية الاتفاق عليها.. فيما طالب بعض البرلمانيين بذهاب ثلثي العائد الضخم للموازنة العامة، وترك الثلث الآخر للجمارك؟!. في هذا المقام، لابد من إعادة قراءة الماضي بعقلية مستنيرة ومتجددة، فبتاريخ 2001/3/25م في صحيفة الشارع السياسي العدد رقم 1264 وفي صفحة المنبر الحر، تم نشر مقال بقلمي تحت عنوان: الوفاء أو القضاء ياجمارك !؟ وفيه ما يكسر الجمود على القديم ويفتح المسارات الجديدة للتصرف في هذا العائد المالي (المدهش) وفق أنظمة سليمة. الإدارات المتعاقبة على هيئة الجمارك خلال العشرين عاماً الأخيرة فيما مضى، ورثت جزءاً ضخماً من هذا المال، مدخراً نقداً وعيناً لبضائع ومنقولات مختلفة، والذي هو نتيجة مجهودات سابقة، لمن عرضوا أنفسهم للهلاك، وصرفوا طاقاتهم بطريقة غير موزونة، تحت ضغوط العمل، وتوتراته الفكرية والبدنية، في زمان بلا أجهزة حاسوب، ومعدات معينة، وتقنيات مقتدمة (كأشعة السينية)، في تنفيذ أكثر من ثلاثين قانوناً ولائحة، صحياً وثقافياً وأمنياً.. واجتماعياً واقتصادياً وبيئياً بالإضافة لقانون الجمارك حماية للبلاد وارتفاعاً بالإيرادات فوق ما هو مقرر في ربط الميزانية العامة سنوياً، ليكون هذا الامتياز مكافأة مقدرة من السادة وزراء المالية المتعاقبين، إبتداءً من المرحوم السيد الشريف يوسف الهندي عام 1967م وحتى الآن، وتضمنه قانون الجمارك لسنة 1986 تحت المادة 220 (1)، وفي العرف الدولي نماذج متميزة في توزيعه على العاملين فقط دون انفاقه في أوجه أخرى!. تعاملت الإدارات السابقة فيما قبل الحقبة المذكورة في الفقرة أعلاه مع هذا المال بقيود وتحفظات قاسية، بدءاً من إيداعه في البنك المركزي (بنك السودان) وبلائحة أشبه بقسم أبي قراط، ومن الصعب الاعتراض عليها رغماً عن أنها تقليدية وفيها الكثير من أوجه القصور بحجة خصوصيته، وشيوع ملكيته وشدة حرصه، وجود تفويض مبني على أسس وصلاحيات واسعة تعفي من المسؤولية أمام الله تعالى!؟ فقد كان التعاون النبيل بين هذه الإدارات والعاملين مع هذا المال، منحصراً فقط في الحوافز الدورية كل شهرين تقريباً بمعدل لا يتجاوز المرتب الأساسي بلا بدلات، بالإضافة لحافز عيدي الفطر والأضحى بواقع مرتب ثلاثة أشهر لكل منهما (نغنغة).. أما السلفيات بمسمياتها المختلفة، فترد بعد منحها وفق استقطاعات شهرية من راتب المستفيد منها ولا تمنح له شهادة خلو طرف في حالة ترك الخدمة إلا بعد سداد ما عليه من مبلغ متبقي، حتى يتمكن من تسوية حقوقه المعاشية!؟ بالإضافة إلى هذا التعامل المساهمة القليلة في إيجار بعض المنازل للعاملين بالولايات؟! وفوق هذا كله أن التفويض المتفق عليه مع مدراء العموم للتصرف فيه لا يتجاوز نسبته الخمسة في المئة لمواجهة بعض الحاجات الضروية الفجائية؟. الأعوام العشرة الأخيرة من الألفية الثانية، شهدت توظيف جزء من هذا المال في مشاريع استثمارية، وجزءآخر في البناء والمعمار بالمحطات الجمركية في كل الولايات، وفيما تلي هذه الحقبة خلال الألفية الثالثة ازداد الوله الإداري بفنون المعمار تصميماً وتنفيذاً أفقياً ورأسياً والنماذج موجودة ومشهودة، فمنها في هذا المقام البرج ذو الطوابق الستة المشيد غرب مباني الرئاسة القديمة ذات الطوابق الستة، والتي لا تقل في حجمها عن جناحين من مباني مستشفى الخرطوم التعليمي، وقد حظيت بإضافة عمارتين لها من ذي قبل، فالبرج المقدم كنموذج والذي أشرف على التشطيبات النهائية تقدر تكلفته حالياً بما يقارب الثلاثين ملياراً من الجنيهات، والمثير للدهشة والاستغراب ما قيل إنه مخصص للمدير العام ومساعديه!؟ ويتميز شكله وتصميمه بقوة جذب عالية للأبصار والألباب، ويشغل الفكر بالخواطر والهواجس سلباً؟! كما أن مباني الرئاسة الأم وملحقاتها، قد استبدلت أبوابها الخشبية القديمة عدة مرات متقاربة مرة بأبواب ونوافذ الألمونيوم ذات الألواح الزجاجية، ومرة بالعودة للأبواب الخشبية إلا أنها من النوع الفاخر، ثم مؤخراً استبدالها بأخرى خشبية ذات عيون سحرية بغرض الرقابة الإدارية؟! وملئت بالأثاثات اللطيفة الناعمة الوثيرة، وأجهزة التبريد ذات التقنيات العالية!! كما أن الإدارات المتعاقبة خلال الفترة المذكورة جاءت ببدعة تحفيز اللجان المؤلفة من بعض العاملين من هذا العائد المالي، عند انجاز بعض المهام العملية، وهو منهج لم يكن موجوداً فيما مضى؟ إلا أن هذا الإجراء يحتاج لمشورة واسعة لكل القوى العاملة، وهذا ما جعل إحدى الإدارات أن تبادر بنزع دار المتقاعدين حين لم تستحسن رؤيتهم عام 2002م لتعديل اللائحة تحت ما تقدم نتوجه بالاستفسارات التالية: /1 هل نسبة الخمسة في المئة المتفق عليها (مسبقاً) كحد أقصى وتفويضاً يمنح المدير العام الحق بالتصرف في هذه النسبة وفق ما تقتضيه الاحتياجات الضرورية أصابها التغيير وتجاوزت هذا المقدار؟! /2 هل تبدلت القواعد الفقهية لخصوصية ملكية هذا المال؟!. /3 هل الهيكل الوظيفي لتنظيم الجمارك يقتضي هذا التوسع في إنشاء المباني الإضافية. /4 هل يوجد سند قانوني يوفر الحماية لقيادات الجمارك المتعاقبة إذا وقع نزاع في ملكية هذه العقارات مستقبلاً؟! /5 هل تحفيز العاملين جميعاً يمضي بنفس المستوى القديم، من نصيب الجمارك في هذا العائد الضخم؟! علماً بأن وزارة ا لمالية، كانت تجود بحوافز ضخمة خلال العام وبصفة دورية لمنسوبي الجمارك، حتى لا ينشط التهريب عبر المستندات وهو أخطر من التهريب المكشوف والمشهود في وسائل النقل المختلفة. عليه فإن المجموعة البرلمانية التي طالبت بذهاب ثلثي هذا العائد الضخم للخزانة العامة، وترك الثلث الآخر للجمارك محقة في رؤيتها الممتازة والشجاعة فهي ذات بركة في خدمة البلاد عامة، فإن أعاصير المستقبل الفكرية والتقلبات الإدارية قد تذهب بثمار هذه الجنة. ضابط جمارك بالمعاش