قطاع الرّحل يعد من القطاعات الهامة جداً في السودان بصفة عامة وفي ولاية جنوب دارفور على وجه الخصوص وتتمثل أهمية ذلك القطاع في إسهامه الكبير في دعم الاقتصاد القومي للدولة حيث يسهم بنصيب مقدّر في الناتج المحلي الاجمالي وفي توفير الأمن الغذائي لشريحة كبيرة من أفراد المجتمع كما يدعم بسخاء حصيلة الصادرات ويسهم أيضاً في توفير العمالة لأكثر من 65% من السكان الذين يعيشون على هذا القطاع التقليدي ولكن برغم من كل ذلك الاسهام لم يجد الاهتمام والعناية من قبل الدولة بل ظلّ يعطي ولايا خذ ويفيد ولا يستفيد وَيمنح ولا ُيمنَح وظلّ نسياً منسياً ردحاً من الزمان شأنه في ذلك كل السودان والاهتمام به لم يتجاوز جباية ضريبة القطعان. بل ظلّ أبناء الرحل يخوضون في ظلمات الجهل وفي جنوب دارفور عندما بدأ برنامج تعليم أبناء الرحل في العام 1993م على يد الدكتور عبد الرحمن أحمد الخضر الذي كان محافظاً لمحافظة الضعين وقتها قد تفاءل الكثير حسناً بأن هذا القطاع المنسي سيأخذ نصيبه من التعليم حتى ولو قليل. ولكن تلك الفكرة الجميلة التي حمل لوائها المحافظ وقتها عبد الرحمن الخضر وأراد أن ينتشل بها أبناء الرحل عند مغادرته الموقع لم يحالفها التوفيق بسبب الإهمال ونقص معينات العمل وقد أثبتت فشلها في السنوات الأولى. أما الآن فهي أشبه بحكاية الغول تلك الأسطورة التي يُهدد بها الأطفال لتخويفهم بالرغم من قناعة المهدد بعدم وجود الأسطورة أسطورة يكذبها الكبار ويصدقها الصغار وتمتاز بعنصر التشويق عندما تحكي عنها الحبوبات شأنها في ذلك كشأن أبناء الرحل منذ التأسيس وحتى الآن لم يدخل أحد ادراج التعليم العالي. بل ظلّ أبناء الرحل جميعهم فاقد تربوي إلّا مَن رحمه الله. وأصبحوا يصرخون من الجهل والفقر والعوز وانتشار البطالة المقنَّعة والسافرة وسطهم. لذلك فلابد يأخي الوالي وفي ظل ولايتكم أن تلتمسوا قضايا ومشاكل الرحّل وأن تكونَ لكم همَّاً سياسياً واجتماعياً وهدفاً استراتيجياً يسعى لانقاذ ابناء الرحل من الثلاثي الخطير المرض والفقر والجهل الذي ظلّ يتجهمهم من كل جانب وهم لا حول لهم ولا قوّة وأن ترفعوا شعار تنمية وتطوير أبناء الرحل عبر تنمية وتطوير قطاع الرحّل بواسطة تبنّيكم استراتيجية علمية واضحة المعالم تستهدف توعية وتثقيف الرحل اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً ورفع تكاليف الانفاق على التعليم وتوفير البدائل الجاذبة له عن طريق إنشاء المجمعات السكنية (الداخليات) ومنحها خصوصية المجانية التي ترغّبهم في ذلك وأن تكون الوسائط والوسائل والأدوات التعليمية مستمدة من واقع مجتمع الرحل ومعبّرة عنه وأن يلتزم المنهج بذلك مسنوداً بمعلمين يتمتعون بالكفاءة والخبرة التعليمية والنفسية وأن تكون لهم الرغبة في توصيل الرسالة التعليمة لأبناء الرحل وينزلون للرحل منازلهم حيث يكون المعلم معلماً في الفصل وإماماً في الصلاة وقاضياً في الفريق لفصل النزاعات وأن تقوم الدولة بتحفيزه مادياً ومعنوياً وحينها يشعر الرحّل وأبناءهم بأهمية التعليم وعندها ستكتمل العملية لأبناء الرحل ولا يترددون في تحمل نفقاته والمنافسة في الانفاق عليه ويتسابقون له وبذلك يتغيّر فهمهم ويسعون لطلبه ولو في الصين. وأن تهتم الدولة عبركم بتكامل الخدمات (صحية تعليمة- أمنية- بيطرية وأسواق) بالإضافة إلى التركيز على توفير خدمات مياه الشرب عن طريق صيانة جميع مصادر المياه من مضخات يدوية وصيانة الدوانكي والحفائر علماً بأن هنالك عدد كبير من الحفائر في جنوب دارفور وأغلبها حُفرت ما بين 1952-1956م ولم تتم صيانتها حتى الآن مما أدى إلى اندثار معظمها. وعلى سبيل المثال في جنوب محلية بحر العرب هنالك أكثر من أربعين حفير تمّ حفرها في هذا التاريخ. وقد حفرت في ذلك الزمان بفلسفة علمية جميلة حيث إنها تفصل ما بين أرض القوز والطين حتى يستقر عندها الرحّل لأطول فترة ممكنة ولا يدخلون إلى جنوب السودان أو دول الجوار (أفريقيا الوسطى وتشاد مبكراً لأن ذلك فيه مخاطر كثيرة تتمثل في الوجود المكثف للحشرات والوحل الشديد والمخاطر الأمنية الأخرى كذلك الحرائق الموسمية والتي أصبحت الآن تدمّر نسبة كبيرة تبلغ ما بين 60-80% من الحشائش سنوياً بالإضافة لأن عدم الاستقرار ساعد على عرقلة العملية التعليمية لأبناء الرحّل فبدلاً من أن يكون العام الدراسي 8-9 شهور نوفمبر إلى يونيو أصبح 4-5 شهور فبراير إلى يونيو بذلك أصبحت الجرعات التعليمة منقوصة.. وكذلك أن تنتهج الدولة النمو المتوازن للرحّل بمعنى أن الدولة عندما تقوم بتطوير الخدمات الأساسية أو البني التحتية بشكل موازي تعمل كذلك لهم بتقبّل الأفكار التنموية والمشاركة في صناعتها وتنفيذها وحمايتها فالدولة في البدء تعمل على تغيير كل الأفكار الرجعية أي تلك الأفكار التقليدية التي ترفض التطوير والتحديث. مستخدمة في ذلك الأساليب التعليمية المذكورة والتوعية والتثقيف والاقناع بالمشروعات النموذجية في المنطقة المستهدفة والحرص على تطبيق الأنموذج الجاذب وفقاً لتحقيق الأهداف. وبذلك تصبح الدولة عبركم مأجورة ومشكورة بما فعلت من إنتشال أبناء الرحّل من ظلمات الجهل إلى نور العلم وتُنسب لكم هذه السنّة الحسنة ويكون لكم أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامةإذا عمل بها أحد في داخل السودان أو خارجه لأن واقع الرحل في كل مكان متشابه ومتقارب وأيّ نموذج يمكن نقله وتطبيقه بنجاح. ومن ثم يتولى أبناء الرحل المتعلمون المسؤولية نيابة عن الدولة لأن واقع الرحل لا يمكن تغييره إلا بواسطة أبناء الرحل أنفسهم ومن ثم يتولون مسألة التخطيط والتنمية والتطوير لهذا القطاع ويقومون بمهمة التوعية والإرشاد والاستقرار بتطبيق البدائل الجاذبة للاستقرار. وإن فعلتم ذلك فقد أعطيتم للرعيّة جزء من حقِّها عليكم و (كلكم راعي وكلكم مسؤول عن رعيته).. ولاية جنوب دارفور محلية الضعين