٭ تعتبر الصراعات القبلية بدارفور من الظواهر القديمة المتجددة، حيث شهد القرن الماضي والحالي نزاعات بشأن المرعى وموارد المياه، والمسارات والمراحيل من جهة، وتارة بفعل السياسات الخاطئة التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة التي قام بعضها بحل الإدارة الأهلية التي كان لها الدور الأكبر في تنظيم شؤون القبائل الخاصة باستخدام الأرض وحفظ الأمن و النظام والحفاظ على البيئة. مما تسبب أيضاً في فقدان أهم ركيزة اجتماعية تعمل على حل الصراعات القبلية بصورة سليمة. بالإضافة إلى لعب بعض الحكومات المتعاقبة على السودان دوراً سالباً في نشوب تلك الصراعات بين القبائل مثل سياسة التسليح الانتقائي للقبائل والاستقطاب الإثني والبيعة والولاء السياسي الذي بموجبه تتم مكافأة القبيلة بمشاركتها في السلطة التنفيذية، فأصبحت القبيلة تملي شروطها وأطماعها على الحكومة المتمثلة في مشاركة أبنائها في الجهاز التنفيذي والسياسي، الأمر الذي انعكس سلبا على استقرار المنطقة وأدى إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وكشف مركز تحليل النزاعات بجامعة أم درمان الإسلامية عن أن ربع مليون شخص لقوا حتفهم بسبب الصراعات القبلية، بالإضافة إلى نزوح أكثر من 2 مليون وخمسمائة ألف نازح خلال ثلاث سنوات فقط، وبالأمس القريب خلف الصراع بين المعاليا والرزيقات بمحلية أبو كارنكا بولاية شرق دارفور اكثر من (300) قتيل وعدد كبير من الجرحى، هذه الأحداث المؤسفة خلقت حراكاً كبيراً فى المجتمع على المستويين الرسمي والشعبي لاحتواء الموقف وتدارك خطورة الأمر فكانت مبادرة الإتحاد العام للصحفيين «لا للدماء» ومبادرة «صحفيون ضد العنف» التي نفذت وقفة احتجاجية أمام القصر الجمهوري، بالإضافة لمؤتمر النزاعات القبلية الذى نظمه مركز تحليل النزاعات بالإسلامية ووزاة التنمية الإجتماعية بالخرطوم، التي حشدت له عدداً مقدراً من الخبراء والأكاديمين لتشريح المشكلة ووضع المعالجات الجذرية لها، وحذر المشاركون من خطورة الأمر، وشددوا على ضرورة الانتباه له وإلا «الطوفان». الخبير السياسي بروفيسر عبده مختار يرى أن أسباب تفاقم الصراع القبلي أن الحكومة تدخلت بصورة اعتبرت بعض الإثنيات أنها غير محايدة من ناحية، كما أن غياب الإدارة الأهلية في صورتها القديمة أدى إلى ظهور مجموعات أصبحت تستثمر في النزاعات، إما لكسب سياسي حزبي أو انتخابي أو من خلال بيع السلاح، وبالتالي فهي تسعى بالفتنة بين القبائل لاستمرار الصراع. وقد نتج عن هذا التدخل السياسي الخاطئ أن حدث تسييس للقبيلة في المناطق الريفية، كما أن تصاعد الصراع القبلي المسلح وتقاطعه مع الحرب بين الحركات أوالحكومة في دارفور زاد من تعقيد الأزمة. ولخص مختار في ورقته الأسباب السياسية للنزاعات القبلية في السودان وهي أن الصراعات القبلية أضعفت سلطة الدولة، وسوف يتواصل الإضعاف جراء سيطرة الحركات على مناطق تحت سيطرة المليشيات القبلية صاحبة الحواكير، والتي تفرض سلطتها عند حدوث صراع مع قبيلة أخرى. بالاضافة إلى استمرار الحكومة في دفع الديات في حالات القتل بين القبائل شجع على استمرار الجرائم والعنف.. إلى جانب انتشار السلاح. وطالب مختار الدولة بإعادة فرض هيبتها ومراجعة الحكم الفيدرالي وإعادة النظر فى دفع الديات، وشدد على ضرورة إعادة الإدارة الأهلية لسابق عهدها بسلطاتها وهيبتها وحيدتها، بجانب إعادة النظر في قوانين الأرض وتعديلها بما يحقق العدالة ويضع حداً للصراع حولها. أما الخبير السياسى بروفيسور حسن الساعورى فقد أكد أن القبلية في السودان حقيقة تاريخية كانت ايجابية فى التاريخ المعاصر، ولكنها بعد الاستقلال وارتفاع درجة الوعي أصبحت عقبة أمام الاستقرار السياسى، وبنى دراسته على حالة جبهة الشرق مشيراً إلى أن بوتقة طائفة الختمية انصهرت فيها عدة قبائل فى الشرق والشمال والوسط مما ساعد على الانتماء الواسع من القبيلة للطائفة، وقال إن غياب الاستقرار السياسى فى النظم الديمقراطية لم يعط الحكومات الحزبية فرصة للتنمية المتوازنة، فبدأ الشعور بالفوارق بين الأقاليم والعاصمة، وأدى ذلك إلى قيام كيانات قبلية مثل مؤتمر البجا فى الشرق فيما اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة زالنجى د. ياسر ساتى أن التنافس بين القبائل حول ملكية الارض «الحواكير» والتنافس السياسى فى ظل عدم وجود نظام ديمقراطي حقيقي أدى إلى نشوب الصراعات القبلية، ونوّه إلى أن أطماع القبائل وسياسات الحكومات تلعبان دوراً فى إزكاء نار الصراعات. وطالب بتغير نظام الحكم الفدرالي الذي قام على تقسيم الولايات والمحليات على أساس عرقي، وقال إن السياسات الخاطئة التى انتهجتها الحكومات المتعاقبة على حكم السودان أسهمت في ذلك.