رمضان كريم ، وكان الله في عون الصائمين، شهداء العرق الحلال، الذين يخرجون مع «الشرقة» في طلب الرزق، الذين إذا وجد أحدهم متكأ أو سانحة للراحة خلال النهار، رعى في خياله غنم إبليس، غائماً في هم حاجيات العيد، من بعد شظفه وعطشه في رمضان.. والعيد يحتاج الملبس والمشرب والعطور والحلوى، والعيال لا يعرفون «المافي»، يطلبون حق المواصلات وحق الفطور، ويومية العامل في دولتنا الإسلامية في حدود المائة جنيه، مخصوماً منها الضرائب غير المرئية، وتلك المرئية، ممثلة في فاتورة الكهرباء والمياه، وحق النفايات، وحق العتب، وحق الخدار، وحق العيش.. فإن تعطّل عامل اليومية يومين أو ثلاثة ولم يجد عملاً يسكب فيه عرقه الرّخيص، فكيف تراه يستر حاله مع أم العيال، في ظل دولة الشريعة، التي يقولون إنها طُبِّقت هنا بحذافيرها ..! وأجارك الله أيها العامل البسيط، الذي سرعان ما يلبي نداءات الأخوان إذا ما رفعوا مايكرفون التحشيد في نصرة الدين.. أجارك الله من أهوال الدنيا إذا تجنّنت على أم العيال، وجارت بالشكوى من ضيق الحال..! لك الله، وعيشة السوق، في جمهورية الدفع المُقدّم، والتعليم «المجاني»، برسومه وتبرعاته وحصصه الإضافية..! كنا نسمع في الزمان الخلي، بأن الدولة قد عكفت على سن قانون «مِن أين لك هذا»، لمحاسبة مستغلي المناصب الرسمية الوالِغين في الثراء الحرام غير المشروع، فهل سُنَّ هذا القانون، أو طُبِّق ولو بالغلط، على الحلاقيم الكبيرة، ما دونها من ذوي الياقات البيضاء.. ما رأيكم، إن تطابقت نصوص هذا القانون مع حال العامل البسيط، فهل هو «حاوي»، حتى يقضي أيام الشهر مع ذويه، حياً يُرزق مثل الآخرين..؟! لماذا لا نسأله:» مِن أين لك هذا»، يا هذا ..!؟ «كلّها كمّها»..!؟ حتى تدفع منها حق اللبن، وحق السكر والشاي، وحق الصابون، وحق الزّيت، وحق التُمباك..!؟ يُقال إن لدينا وزارة للعمل، ولدينا نقابات، بدليل أن وزير خارجيتنا قد تدرّب على الحِسبة الإدارية في مدارجها الوظيفية حتى أصبح وزيراً للخارجية.. وللحقيقة والتاريخ، فإن شخصية غندور «الدّامِعة» في ساعة الشدائد، يمكن أن «تأخذ وتدّي» معاها في الكلام، لكونه ليس ثعباناً ساماً مثل تلك العُصبة التي كانت تسيطر على مفاصل التنظيم والدولة من قبل.. ولبروف غندور قلب حنون يحتمل السؤال والمُلاحظة، فليته ينظر في مسألة الحد الأدنى للأجور، ولو فعل ذلك، فإنه سيزداد إيماناً، بأن الأرزاق لا تجري على الحِجا، وبأن لله حِكمته البالغة في إدارة شؤون الخلق، خاصة إدارة شؤون معاش السودانيين.. ففي هذا السودان العجيب، من المستحيل أن يتأثر الاقتصاد السوداني بالمقاطعة والحصار الاقتصادي هذا ما يؤكده العُتاة الغِلاظ مِن قيادات التنظيم ويؤكدون أيضاً أن عجلة الإنتاج لن تتأثر أو تتوقف إذا أضرب العمال.. ونِعم الحال، فهاهي خطوط السكة الحديد قد تجمّدت ولكن «كل شيء على مايُرام»..! قد يشقى سكان الخرطوم، ومن يبارحها ويحمي نفسه من ضجيج تلفزيونها ويقيم لنفسه قطّية في كنانة المناقل، والجزيرة، فإنه سيكرف على الأقل زيفة الصعيد.. من الممكن أن يأخذ رعايا دولة الأخوان بهذا الحل، إذا كانت دولتهم لم تبع تلك المساحات.. كان الله في عون أهل السودان الصائمين، ولعل السر الإلهي، الذي يجعلهم «ماشين بالبركة»، أن ثمانين بالمائة من معاشهم يقوم على الاقتصاد الريعية وأن الكتلة الكبرى من أهل السودان لا تتعامل مع النظام المصرفي.. تحية لعمّال السودان، الذين لا ينتظرون من الدولة تخفيف أعباء المعيشة، بقدر ما يأملون في أن ترفع مثاقيلها عن كواهلهم..!